/ صفحة 287 /
وثانياً: إن القياس على مثل منع التجول من المباحات ـ قياس مع الفارق، فإن مثل منع التجول ليلاً تدبير موقت ربما تفرضه الضرورة، فيرفع بقوله تعالى (إلا ما اضررتم إليه) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (رفع ما اضطروا إليه) وأين هذا من نسخ حق، أو حكم بلا ضرورة مرخصة، نسخاً يبقى ببقاء الدهر!!
وقد أجابت عن رفع حد الشرب. بأنه تأجيل للحد لا نسخ له! ويؤخذ على الجواب:
أولاً: أن الخليفة رفع الحد عن جميع المسلمين أيام الحرب مخافة تنصرهم كما صرح به الدكتور وهو المراد من قولي: رفع الحد عن المسلم في مقالي السابق لا عن فرد منهم ليكون ذلك قضية في واقعة. ودعوى التأجيل في مثل هذا الحكم العام، ومن الغرابة بمكان، فإن ذلك مساهلة في إقامة الحدود، وتعطيل لها، خصوصاً فيما إذا عاجل الموت من أجل حده بعد وجوبه، وثبوته شرعاً لدى الإمام، وهو بمثابة نسخها لمنافاته لحكمه تشريعها التي هي الأخذ بالشدة والحزم، حسماً لمادة أو حداً من سورتها!!
وثانياً: لو سلم أنها قضية في واقعة، فإن تأجيل الحد كما يظهر من تتبع مجاري الحدود التي أقيمت زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن يرخص به إلا لعذر يمنع من إقامته فوراً نظير الحمل في المرأة التي عليها الحد، أو مرض يخشى منه التلف إذا أقيم الحد مع عدم ثبوت الحد بهذا المقدار، وما إلى ذلك مما ذكر في محله، ومخافة أن ينتصر من يقام عليه حد الشرب ليس عذراً مسوغاً للتأخير والتأجيل! ويدل على الوجوب الفوري في إقامة الحدود إلا لعذر شرعي بمنع منه. ظهور أوامر الحدود في الآيات القرآنية، والسنة النبوية، في الوجوب الفوري ظهوراً انصرافياً عرفياً بمناسبة الحكم للموضوع (أعني حكمة تشريع الحد) من الأخذ بالشدة والحزم، لحسم مادة الفساد، والحد من قوتها ـ وإن لم نقل بوضع صيغ الطلب لذلك ـ فلا يجوز التأجيل إلا بدليل معتبر شرعاً!