/ صفحة 286 /
أحدهما بالآخر، إذن فالنسخ موجود لا محالة، إما لحكم وإما لحكمين، فالجواب لا يدفع المأخذ لكن يضاعفه ويؤكده!!
* * * *
وأما عن مأخذ بقية الأحكام، فقد أجابت رسالة الإسلام عن الحكم بوقوع طلقات ثلاث بلفظ الثلاث، بما خلاصته: أن الخليفة لم يحكم بوقوع الطلاق ثلاثاً ممن طلق بلفظ الثلاث، حتى يقال إنه نسخ حكماً كتابياً فهو ليس بهذا، وإنما منع من حق الرجعة، لمن طلق كذلك تأديباً له، لاستعجاله فيما له فيه أناة.
وللإمام أن يعاقب بالحرمان من بعض المباحات لمصلحة تقتضي ذلك، وهذا نظير منع الحكومات بعض المباحات (كمنع التجول ليلا) لظروف تقضي بذلك، فهو بذلك خالف السنة لمنعه هذا الحق بمقتضى الهيمنة والسلطان، لا بمقتضى التشريع لا أنه خالف الكتاب، ويؤخذ عليه.
أولاً: أن الأحكام الشرعية أمور توقيفية لا يجوز أن يتعدى بها حدود ما أنزل الله. فلا يجوز لأحد أن يحلل حراماً، ولا أن يحرم حلالاً برأيه، ما لم يستند بذلك إلى الكتاب أو السنة، ولو بالواسطة كما صرحنا به، وإن حرمان الخليفة المطلق بلفظ الثلاث من حق الرجوع، ومن إباحته المجعولين له بقوله تعالى (فإمساك بمعروف) هو نسخ لهما باجتهاد لا يصح أن يكون مصدراً للأحكام بنظر الإسلام، وبعبارة ثانية: المخالفة في هذا الحكم للكتاب من جهتين، جهة المنع من الحق المشروع فيه، وجهة ما يستتبعه الحق من الإباحة، فإن جعل الحق قد يستتبع جعل الحكم التكليفي تبعاً فحسب كما في المقام، وقد يستتبع الحكم التكليفي والوضعي معاً، كما في جعل حق الخيار في المبيع المستتبع لجواز الفسخ. الحكم التكليفي ـ ولنفوذه، الحكم الوضعي، كما قد يستتبعانه هما أيضاً في موارد ذكرت في محلها، فهو بذلك خالف الكتاب سواء قصد المعارضة أو لم يقصد، إذ لا مدخل للقصد في المخالفة لا وجوداً ولا عدماً.