/ صفحة 283 /
الحاجة، وحيث انتفت لكثرة من دخل في الإسلام، فينتفي معلوها وهو الحكم. لذلك وقف إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم. فقد أخذت عليه:
أولا: أن ظاهراً خذ وصف في موضوع حكم دخالته نفسه فيه، وعليته له، لا شيء آخر، فظاهر قوله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) أن التأليف علة للحكم بالزكاة، لا الحاجة إلى التأليف، ولا هو في ظرف الحاجة!
وثانياً: لو سلم ذلك فإن انتفاء العلة ممنوع، إذ الحاجة إلى التأليف كما تكون لأجل الجهاد، تكون لأجل تثبيت ضعفاء المسلمين على الإسلام، فإن المؤلفة قلوبهم، قسمان على الصحيح: كفار استميلوا بالزكاة للجهاد، ومسلمون في نياتهم ضعف يعطون منها لتقوى نياتهم! إذ لا خير في إسلام بلا يقين. وهم موجودون في كل زمان، فلا وجه لانتفاء الحكم مع وجود علته!!
ولو أريد انتفاء العلة (الحاجة) حتى بالنسبة إلى ضعفاء المسلمين، فإن ذلك من الغرابة بمكان. فإن الخليفة الثاني عند نسخه هذا الحكم لم يكن للإسلام هذه الكثرة المفرطة، حتى لا يبالي بمن لم يثبت على الإسلام. على أنه ليس من الحكمة عدم المبالاة بضعفاء النيات ممن لو استطاع لجمع الناس جميعاً تحت راية الإسلام ولثبتهم على مبادئه!!
وثالثاً: أنه لو حصرنا العلة بالحاجة إلى الجهاد، فإنا نمنع انتفاء الحكم. ذلك لأن علل الشرع ومقاصده من قبيل الدخيل في العلة التامة للحكم، إذ هي علل غائية، فقد يتوقف على شرط غيرها، وقد يمنع من تأثيره مانع، فلا يمكن ـ والحالة هذه ـ استكشاف حكم منها وجوداً أو عدماً، إلا فيما علم بنحو الجزم، أن المقصد للمشرع من قبيل الغاية المنحصرة، وأنه مع إراداته (سبب كافٌ) لتشريع الحكم. وهنا لم يعلم أن التأليف، ولو من جهة الحاجة إليه كذلك أن يكون لمشرع الحكم مقصد آخر لم نطلع عليه، وعدم العلم بالوجود لا ينفي الوجود، فلا وجه لانتفاء الحكم إلا الاستنباط الضني، وهو لا يغني عن الحق شيئاً! مع أنا قد نحتاج إلى الجهاد، وإلى التأليف من أجله خصوصاً في الظروف