/ صفحة 268 /
وكان انشاء المحاكم الأهلية في الوجه البحري سنة 1884 م، وفي الوجه القبلي بعد ذلك بخمس سنوات سنة 1889 م، ولم تنشأ محاكم الجنايات إلا في سنة 1905 م ولم تتحقق الغاية المرجوة من إنشائها وهي إلغاء المحاكم المختلطة، إذ عضت الدولة الأجنبية عليها بالنواجذ، وشجعها الاحتلال الانجليزي للبلاد، إلى أن قامت الثورة الوطنية الكبرى مندلعة من الأزهر سنة 1919 م، وكان من أهم آثارها إصدار دستور سنة 1923، ومعاهدة الصداقة بين مصر وبريطانيا سنة 1936، وإلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 1937، وإلغاء المحاكم المختلطة بعد انتهاء فترة الانتقال في 15 أكتوبر سنة 1949، صحيح أنه كان من آثار ما سلف أن عطلت بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بعض أحكام الحدود، وأهمها حد السرقة وهو قطع اليد بشروط معينة، وليس هذا إلا تعطيلا جزئياً موقوتاً، فلما أن جاء الدستور أكد تلك الحقيقة الواقعة: حقيقة سيادة الشريعة الإسلامية في البلاد المصرية، في المادة 149 حيث نص على أن (الإسلام دين الدولة الرسمي) ومن ثم يكون كل تشريع يعارض أصلاً أساسياً في شرعة الإسلام غير دستوري ولا مقنع فيما يقوله البعض من أن تعطيل حكم القتل في المرتد يوجب تعطيل باقي أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الشأن، وذلك من وجهين:
أولهما: أن فقهاء الإسلام جعلوا مناط قتل المرتد القدرة على ذلك، فقد ورد في المغني لابن قدامة في الكلام على ابن المرتد (ومتى قدر على الزوجين المرتدين أو على أولادهما استتيب منهم من كان بالغاً عاقلاً، ومن لم يتب قتل، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه وينبغي ما دام قد قدر عليه أن يحبس حتى لا يهرب).
والثاني: أن حد السرقة قد عطل في وقت ما. وكان التعطيل في عهد من؟ في عهد عمر بن الخطاب، وهو من؟ هو أشد المسلمين استمساكاً بأحكام الشريعة، حتى انه حين أمر بإقامة الحد (حد الخمر) على ابنه، ولحظ أن منفذ الحد يترفق بابنه حتى لا يوجعه ثار، وأبى إلا أن ينفذ حكم الله بشدة وعنف قضيا على حياة ابنه بين يديه. ولم يقل ولا يصح أن يقول أحد إن تعطيل هذا القدر من الحدود