/ صفحة 265 /
إلى جانب رعاية أهل الذمة إعمالاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كانت الامتيازات الأجنبية التي بدأت من السلطان منة وفضلاً، وانقلبت في آخر عهدها أغلالاً وقيوداً تحد من سلطان الدول الإسلامية، ومن سيادة شريعتها، وكان العهد بها في أول الأمر أن تمنح للتجار من ثغور أوربا كالبندقية وجنوا ومرسيليا حين ينزلون للتجارة بثغور الدولة العلية، وتطور الأمر في عام 1535 حيث منح أول امتياز لجميع أهالي فرناس إذا ما نزلوا ببلاد الدولة العلية، حيث أباح لقنصل فرنسا القضاء في جميع المنازعات بين رعايا دولته سواء أكانت مدنية أم تجارية أو جنائية دون أن يتعرض لهم أو يمنعهم من ذلك القاضي أو أية سلطة محلية، ثم صدر مثل هذا الامتياز لدول أُخرى، وبذلك كثر نزوح الأجانب إلى بلاد الدولة العلية، ولم يكتفوا بالامتيازات التي منحت لهم بل عمدوا إلى التوسع والافتيات، فزعموا أن لمحاكمهم القنصلية حق الفصل في النزاع وكان بين أجنبيين مختلفي الجنسية، على أن يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه القنصلية.
أما في مصر فكان الحال أدهى وأمر، ذلك أنه في عهد محمد علي باشا نهضت البلاد نهضة شاملة، وتطلعت البلاد إلى الاستقلال فاستعانت بالأجانب فكثر وفودهم إليها، ويِسرت سبل الإقامة لهم، فتطرف القناصل في نفوذهم وأصبح القضاء للأدجانب موزعاً بين سبع عشرة محكمة قنصلية تنازع المحاكم الشرعية ومجالس القضاء سلطانها غير مستندة إلى قانون أو نص في الامتياز الممنوح أصلاً، وتصف اللجنة الفرنسية تلك الحال في تقريرها سنة 1867 فتقول: (إن الجهات التي تلي القضاء بالنسبة للأوربيين في مصر، والتي تحدد علاقتهم بالحكومة وبسكان القطر لا أساس لها من الامتيازات، فلم يبق من الامتيازات إلا الاسم وقد حل محلها أوضاع عرفيةلا ظابط لها يكيفها قاصل الدولة الأجنبية كل بحسب طبيعته، وتستمد من سوابق تعسفية أحدثتها الضرورات والضغط من ناحية والتسامح والرغبة في تسهيل إقامة الأجانب من ناحية أُخرى) وإزاء تل: الحالة التعسة فكر الخديو إسماعيل في إصلاح حال القضاء، فتقدم وزيره نوبار تقريراً انتهى بعد عرضه على الدولة الأجنبية إلى إنشاء المحاكم المختلطة توحيداً لجهة القضاء بين الأجانب،