/ صفحة 258 /
كما نرى ذلك فيما يرد في تعابير المستشرقين، ولأنها تنفرد بمزايا جعلتها تصلح للتعبير عن المسائل العلمية، فوجود الصيغ والأوزان والاشتقاق، جعلها مرنة يسهل بواسطتها التعبير عن أي معنى غامض، أضف إلى ذلك أن كثيرين من مترجمي صدر الإسلام كانوا من السريانيين، كحنين بن اسحق وولده اسحق بن حنين وأمثالهما وقد نقلوا التآليف إلى السريانية فسهل نقلها إلى العربية، لما بين اللغتين الساميتين من تشابه، وحسب العربية فخراً أنها كانت تنتشر دون ضغط أو دعاية، بل بطبيعتها وقيمتها.
وابن سينا أحد الذين وضعوا جل مؤلفاتهم بالعربية؛ ومؤلفاته بالفارسية وإن كانت قليلة بالنسبة لما ألفه بالعربية، إلا أنها فوق قيمتها العلمية تعد خدمة للمكتبة الفارسية، لماوضع من المصطلحات الفلسفية في تلك اللغة.
فما موقف ابن سينا بين الفرس والعرب؟
لقد سئلت مرة في حفل عن رأيي في ابن سينا، فقلت: ليس بفارسي.
قال السائل مندهشاً: أترون أنه عربي؟
قلت: وليس بعربي.
قال: إذن فتركي؟
قلت: ولا بهذا أيضاً.
قال: فماذا يكون؟
قلت: مثل ابن سينا كمثل الشمس، إنه للعالم كله، وليس لبلد دون آخر، وإذا كان من حسن حظ إيران أنه ولد فيها، وخدم ملوكها وحكامها، ومات بها ودفن في أرضها. فإن قيمته بعلمه لا بجسده، وقيمته العلمية للإسلام ومن الإسلام بل للعالم أجمع.
واليوم تقدر العروبة هذا الرجل الذي قدم للمكتبة العربية مجموعة قيمة من التآليف العربية، ومن ثم كان احتفال البلادالعربية بعيده الألفي،