/ صفحة 245 /
مشروعية الأحكام العرفية عند الحاجة إليها:
وهذه الآيات وأمثالها تقرر وجوب الاحتفاظ بأسرار الدولة عامة، وأسرار الجيش على وجه خاص، وأن يكون الشأن فيها خاصاً بالقيادة وأولي الأمر، وهي في الوقت نفسه تمنح أولياء الأمر حق اتخاذ الوسائل التي تحول بين العامة وإذاعة هذه الأنباء ما داموا يرون أن في أذاعتها ضرراً يلحق بالأمة ويعترض مصالحها، وأنهم لو رأوا وقف قوانين حرية الأفراد في التحدث والكتابة والاجتماعات، سبيلاً لاتقاء شر الارجاف، وجب عليهم وقفها ومنع الناس من التمتع بها، وإن الشريعة لتقرر إعطاء الوسيلة حكم ما يترتب عليها، فوسائل ما يجب، تأخذ الوجوب، ووسائل ما يحرم، تأخذ الحرمة، وهو أصل تقضي به سنن الاجتماع وقد عرفه الإنسان في جميع أطواره، وكان أساساً في عصورنا الحاضرة لاستباحة أخذ الأمم بما يسمونه (الأحكام العرفية).
وكما تحدثت سورة النساء، وسورة الأحزاب عن عناصر الشر والتخذيل في الأمة، فقد تحدثت عنها كثيراً سورة التوبة، وأبرزت جملة من أخلاقهم، وسيئات تصرفاتهم التي ترشد إليهم وتدل عليهم، وكان ذلك بعد رجوع النبي وأصحابه من غزوة تبوك التي كانت أكبر ابتلاء وأشد تمحيص عرف الله بها نبيه دخائل نفوسهم، وأطلعه على ألوان نفاقهم، وهي ألوان المنافقين في كل جيل ودولة، وأقرأ فيها قوله تعالى: (لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لا تبعوك، ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) وقوله: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدو مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاًافامنتمن، ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) اقرأ الآيات من 42 ـ 110، وتأمل قول الله المتكرر فيها (ومنهم، ومنهم، ومنهم. ثم طبقه على ما يبدو من خلال الناس في موقفهم حينما يستنفرهم القائد الحريص على حياتهم وعزتهم، ويصيح فيهم (انفروا في سبيل الله) اقرأه كله، وأنعم النظر