/ صفحة 242 /
الجندية واجب على كل قادر:
ومن هذا يتبين أن مسايرة الأمم في فنونها الحربية وتدريب أبنائها عليها من ألزم الواجبات، كما يتبين أن التهاون في شأن هذا التدريب تقصير عما لا يصح لأمة تريد أن تحيا حياة طيبة، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل دلالة واضحة على أنه لا يعفى أحد من الجندية إلا إذا كان ضعيفاً، أو مريضاً، أو لا يجد ما يجهز به نفسه للقتال، وانظر في ذلك قوله تعالى من سورة التوبة: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) ولكن المسلمين غفلوا حيناً من الدهر عن هذا الواجب، وعولوا على حمايتهم بالخصوم، وتعهدهم لهم بالدفاع عن أنفسهم وأراضيهم، فأهملوا الجندية، وجعلوها صورة هزيلة، لا يقصد بها إلا خدمة الصغار للكبار، والضعفاء للأقوياء، فقصروها على الفقراء الذين لا يستطيعون دفع البدل العسكري وأخرجوا من صفوف الأمة المجاهدة حملة القرآن والعلم وأبناء الأغنياء والوزراء، وبذلك صارت الجندية عنوان الذلة والضعة.
قراء القرآن في الصدر الأول كانوا في مقدمة المجاهدين:
وها هو ذا القرآن لا يرى شيئاً من ذل: سبباً من اسباب المعافاة من الجندية، وقد كان العمل في عصر النبوة والعصور التالية له على مقتضى وحي القرآن وإرشاده، ولعلنا نذكر أن التفكير في جمع القرآن لم يكن إلا مخافة أن يذهب بذهاب القراء الذين كانوا أكثر القوم إقداماً وبسالة في حرب اليمامة، وكان إقدامهم وجرأتهم على اقتحام صفوف الأعداء سبباً في أن يستحر القتل فيهم، وفي أن يهرع أصحاب رسول الله إلى خليفة رسول الله يتسنهضونه في سرعة العمل على جمع القرآن حتى لا يذهب بذهاب حفاظه المحاربين المجاهدين، ورحم الله ذلك الزمان الذي كانت آيات القرآن في قلوب حامليها أقوى حافز على التضحية بالنفوس في سبيل إنقاذ الدولة ورد الطغيان عنها، وتعساً وخزياً لهذا الزمان الذي جعل فيه العلم وحفظ القرآن عنواناً على عجز أهله حتى اتخذوا علمهم بالدين، وحفظهم للقرآن