/ صفحة 240 /
إن رباط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم إن سليمان (عليه السلام) احتاج إلى الغزو، فجلس وأمر بإحضار الخيل، وأمر بإجرائها، وذكر أنه لا يحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله، وطلب تقوية دينه، وهو المراد بقوله (عن ذكر ربي) ثم إنه (عليه السلام) أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخير إليه، فلما عادت إليه، طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور:
الأول: التشريف لها، والإبانة عن عزتها لكونها من أعظم العون في دفع العدو.
الثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك، ينبغي أن يباشر الأمر بنفسه ولو في أدنى الأمور التي يكثر القائمون بها.
الثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها؛ فكان يمتحنها ويمسح سوقهاوأعناقها حتى يعرف حقيقة أمرها في السلامة من العلل أو الصابة بها، وهكذا يجد قارئ تاريخ الأنبياء والمرسلين أن كثير منهم حارب في سبيل الله واتخذ القوة واصطناعها أساساً لحياته الحربية، ولعل قوله تعالى في سورة سبأ: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير، وألنا له الحديد أن أعمل سابغات وقدر في السرد) وقوله في السورة نفسها: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأرسلنا له عين القطر ومن الجبن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، اعملوا آل داود شكرا). لعل هذه الآيات تشير إلى ما كان يتخذه هؤلاء الأنبياء من المصانع التي كانت تخرج لهم الدروع المحكمة في وضعهاومقدارها، وتخرج لهم التماثيل التي كانت تدخل على العدو شدة الروع فتضعف من قوته، وترد من طغيانه، وقد فسرت