/ صفحة 237 /
متطلعين إلى القتال حتى كاد اليأس يساورهم ويفضي بهم إلى الظنون، وعند ذلك أنزل الله أول آية في القتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور) 39 ـ 41 من سورة الحج.
كانت هذه الآيات أول إذن بالقتال، وقد عللت هذا الإذن بما أصاب المسلمين من الظلم والإكراه على الهجرة بغير حق، وأرشدت إلى أن هذا الإذن موافق لما تقضى به سنة التدافع بين الناس حفظاً للتوازن الجماعي، ودرءاً للطغيان البشري، وتمكيناً لأرباب العقائد والعبادات من أداء عباداتهم، والبقاء على عقائدهم.
ثم أرشدت إلى أن الله إنما ينصر بمقتضى سنته في خلقه من ينصره ويتقيه بإقامة العدل، وإقرار الأمن، وبث الطمأنينة. ولا يتخذ الحرب أداة للتخريب والإفساد، وإذلال الضعفاء، وإرضاء الشهوات؛ وإنما يتخذها وسيلة إلى عمارة الكون، وإنفاذ أمر الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وجائت بعد هذه الآيات آيات أُخرى وردت في سورة البقرة، وفي سورة النساء، وفي سورة التوبة، وغيرها، وكلها تحصر دائرة القتال الذي أذن فيه للمسلمين وأمروا به في رد العدوان والقضاء على الفتنة في الدين دون اعتداء أو اضطهاد: وأقرأ في ذلك قوله تعالى في سورة البقرة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 1900 ـ 194) وفي سورة النساء (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان. الخ الآية 75) (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلا. 84). (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا