/ صفحة 236 /
ظل الإسلام ذا شوكة ومتعة في جميع نواحيه ما بقيت له قوة، وما كانت القوة هي الإسلام، فلما تبدلة الشئون، وتغيرت الأحوال، وأخذ الضعف ينفث سمومه في المسلمين بعوامل بعضها داخلية، خلقتها الأهواء والمطامع، وبعضها خارجية سنحت لها الفرصة، ووجدت من تفرق المسلمين وأحقاد طوائفهم التي خلقتها المذاهب والآراء، ما أعانها على تفريق الكلمة، وشغل المسلمين بأنفسهم، واختلافاتهم فيما بينهم، ومكنها أن تحدث بين صفوفهم المتراصة، الفجوات الواسعة فدخلت عليهم من جميع أقطارهم، ونزعت القوة من بينهم، وتركتهم أشلاء مبعثرة تهددهم القوة في كل مكان، وتنذرهم بالفناء في كل وقت.
من هذا كله عني القرآن الكريم بلفت نظر المؤمنين إلى أخذ الحيطة والحذر، وقوة الاستعداد لدفع الشر الذي تسوقه الأطماع إليهم، وفي هذا السبيل شرع القتال، وحث عليه في كثير من سوره.
أهداف الإسلام من الحرب:
ومما ينبغي معرفته أن الإسلام حينما شرع القتال وأمر باتخاذ عدته، ورعب فيه، نآى به عن هدف الاستغلال والاستيلاء والملك، كما نآى به عن هدف الإكراه على اعتناقه، واتخاذه وسيلة من وسائل الإيمان بدعوته، ويجدر بنا أن نضع أمام القارئ الخطوات التي أتخذها في سبيل الإذن بالقتال، وتحديد الغاية التي قصد به الوصول إليها.
أقام المسلمون في مكة أعواماً يسامون سوء العذاب، ويصادرون في حريتهم الدينية، ويضطهدون في عقيدتهم التي اطمأنوا إليها، ويفتنون في أموالهم وأنفسهم حتى أكرهوا على الهجرة، فخرجوا من أوطانهم وديارهم، ثم أقاموا في المدينة صابرين لأمر الله، راضين بحكمه، وكانوا كلما همت نفوسهم بالرد على الظلم، أو تطلعت إلى الانتقام من الظالمين، ردهم رسول الله إلى الصبر وانتظار أمر الله قائلاً: (لم أومر بقتال! لم أومر بقتال!) وإلى هذا يشير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وقد ظلوا كذلك