/ صفحة 235 /
الإسلامي، ومحاولة سلب سلطانه، والقضاء على أمنه واطمئنانه، وفي هذا إيحاء بأن الحق لا بد في بقائه وتمتع الناس به من قوة تحميه، وهي قضية يشهد لها التاريخ، ويقررها الواقع الاجتماعي في كل عصور الإنسانية، وكثيراً ما رأينا أن رأى صاحب القوة والسلطان حق ولو كان ظاهر البطلان، وأن رأى الضعيف باطل ولو كان حقاً مبيناً، رأينا ذلك في آراء الأفراد، ورأيناه في مباديء الجماعات وشرائعها وسائر خططها في الحياة، ولعل كثيراً من الشئون الدولية التي يجري فيها البحث الآن بين الأمم القوية والأمم الضعيفة أوضح مثال على صدق هذه القضية، وعلى أن الحق غير المؤيد بالقوة يصاب بالانزواء والانكماش، ويتضائل دائماً أمام صخرة الباطل القوية، وقد عرفت الجماعات البشرية هذا المبدأ الاجتماعي في جميع أطوارها، وآمنت بالتجارب المتكررة، أن عزها وهيبتها واحترام حقها لا بد له من القوة؛ فاتخذتها واعتمدت عليها، ولم يكن الأمر في ذلك قاصراً على الجماعات البشرية؛ فالشرائع السماوية نفسها وضعت القوة أساساً لتركيزها، وحمل الناس على الأخذ بها، فأمرت بها سلاحاً للحق، تحميه وترعاه، وفي ذلك يقول الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنامعهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) ومن هنا: كانت القوة شيئاً لا بد منه في تمتع أرباب الحق بحقهم، وفي تمتع الناس بالخير في هذه الحياة. ونحن إذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام وجدنا أمته أدركت سر الحياة، وعرفت أنه في القوة، فتسلحت بهاواعتمدت عليها، وكونت القوة منها أمة تأمر فتطاع، وتحكم فتعدل، وتقف في صف المظلوم فيصل إلى حقه، وفي وجه الظالم فيكف عن طغيانه، وبهذا عاشت الأمة مهيبة الجانب، مرهوبة المكانة، فكان سلطانها هو السلطان، وكانت عقائدها هي العقائد، وكان تشريعها هو التشريع الذي يلبي الحاجة، ويكفل المصالح، وكانت عاداتها هي العادات التي تهرع الأمم إلى تقليدها فيها، وكان الإسلام على وجه العموم هو القوة، والقوة هي الإسلام. وظل الإسلام، وبلاد الإسلام بمنأى عن عبث العابثين، وعن طمع العدو ومحاولة الاقتراب منها، أو التفكير في الاستيلاء عليها.