/ صفحة 233 /
يدنسها، أو يضعف الإشراق عليها، إذ ليس من المعقول أن يدخل الإنسان في بيئة نورانية وهو متحمل للظلمات، مفعهم بالمدنسات.
وناداهم فيما يختص بأصول التشريع التي يجب أن يلتزموا حدودها، ولا يصح لهم بمقتضى إيمانهم أن يخرجوا عنها (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وناداهم فيما يختص بقوام النظام وأساس الملك: (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) وقد أمر الله في هذه السورة بالعدل خاصاً وعاماً؛ ففي الأسرة (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) وفي اليتيم (وأن تقوموا لليتامى بالقسط). وفي الحكم (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وأمر به عاماً في هذا النداء (قوامين بالقسط شهداء لله) وبذلك كان العدل في نظر الإسلام هو أساس التصرفات والأحكام، وأنه لا ينبغي لمؤمن أن يحول بينه وبين العدل شيء من هوى النفس أو صلات النسب والقربى.
وناداهم بوجوب العمل على تطهير قلوبهم من نوازع العصبية، والإيمان بهداية الله العامة، السابقة واللاحقة (يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً) وهذا النداء يتضمن تحذير المؤمنين أن يسلكوا مسلك غيرهم في عدم الإيمان بغير رسولهم الذي بعث إليهم، وبغير كتابهم الذي أنزل عليهم، ويعلنهم بوحدة الدين عند الله، وأن الإيمان الحق يقضي بتصديق الجميع، وأن التفريق بين الرسل والكتب، تفريق لهداية لله، وإنكار لأجزائها التي تتألف منها وحدتها. وقد عرض القرآن في غير موضع إلى هذه الوحدة، وقرر أن الإيمان بالجميع هو شأن المؤمنين، وقد تضمنت أوائل سورة البقرة هذا المعنى (والذين يؤمنون

بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) كما تضمنته خواتيمها (آمن الرسول