/ صفحة 22/
ومن رأيي أن تكون هذه المدارس الثلاث موزعة بين كراتشي عاصمة الباكستان، ولاهور عاصمة البنجاب، ودكّا عاصمة البنغال، وأن ترعاها حكومتنا وتحترم شهاداتها، وتجعل لها امتيازاً هنا بحيث لا يقبل في معاهدنا للمصرية من طلبة الباكستان إلا من كان حائزاً لشهادة من إحدى هذه المدارس، على أن يتسع نطاق تعليمنا بعد ذلك فتنشأ مدارس ثانوية هناك يؤخذ المتخرجون فيها للدراسات العليا في كليات الأزهر والجامعات المصرية، ولا شك أن هذا من شأنه أن يثمر ثمرات طبية، ويقضى على لون من ألوان الضعف التي نشاهدها في الذين يفدون إلى الأزهر والجامعات دون أن يكون لديهم الإلمام الكافي باللغة وعلومها، فيتخرجون حاصلين على شهادات خاصة تعرف بشهادات الأغراب، وشتان بين هذا النظام ونظام يجعل أبناء البلاد الشقيقة يسيرون مع أبنائنا جنبا إلى جنب، ويمكنهم من أن يتفاهموا تفاهما أعمق وأقرب إلى بث روح المودة المشتركة، وربط أواصر المحبة التي ينبغي أن تسود بين الإخوة، بل يمكنهم من أن يؤسسوا بين بلادنا وبلادهم أنواعا من العلاقات الفكرية والثقافية والمادية في التجارة والصناعة والشركات وغيرها. ان الأوربيين قد سبقوا إلى هذه الميادين فاستطاعوا ببث لغاتهم وأفكارهم أن يؤسسوا بينهم وبين كثير من البلاد الشرقية الإسلامية كثيراً من المصالح العملية وأن يفتحوا لبلادهم أسواقا رائجة، وأن يجلبوا سلعا طيبة، وأن يكوّنوا لهم مراكز فوق ذلك في نفوس الشرقيين، قائمة على أساس من تقدير الأوريين واحترامهم واعتبارهم أهل العلم والحضارة والمدنية، بينما ينظر الشرقيون بعضهم إلى بعض نظرة العاجز إلى العاجز. ولقد تشرفت بمقابلة حضرة صاحب الجلالة مليكنا المعظم، فأبدى لى حفظه الله عظيم ارتياحه لتقاريرى في هذا الشأن، كما أظهر إعجابه بهذا المشروع الجليل، فما على حكومتنا إلا أن تأخذ سبيلها إلى التنفيذ، وستجد من كل ذي غيرة على الشرق والإسلام تأييداً وترحيبا، ولقد أنبأنى بعض ولاة الأمر في الباكستان أنهم على استعداد للمساهمة في نفقات هذا المشروع النافع، ولكنى أفضل أن تنفرد مصر ذلك، وأعتقد أنها ستكسب به كسبا أديبا عظيما، وتحقق بصفة عملية زعامتها وقيادتها، مع أنه لا يكلفها إلا يسيراً، لأن هذه المدارس ستلقى من الاقبال والرواج ما يجعل إيرادها يسد كثيراً من نفقاتها.