/ صفحة 198 /
تاريخ المذاهب الإسلامية
في شمال أفريقا
لحضرة المجاهد التونسي الكبير السيد محبي الدين القليبي
تمهيد:
لم يكن النزاع الأول الذي حدث بين المسلمين في فجر التاريخ الإسلامي حسبما يبدو لي في حقيقته إلا نزاعاً سياسياً يتعلق بنظام الدولة: نوع الحكومة. شخصية الحكام. أسلوب الحكم. سياسة المحكومين. فلقد ذهب كل فريق مذهباً خاصاً به في كل ما تقدم، فكانت المذاهب السياسية في نظام الدولة، ولم يكن يتبع في بداية الأمر عقائد خاصة أو نظريات لكل فريق في فقه المعاملات والعبادات وإنما حدث ذلك عند ما تحمس كل فريق لمذهبه السياسي، وأراد أن يكسوه صبغة دينية أدت إلى التناحر والحروب بين الطوائف الإسلامية، ولولا ذلك لكانت المذاهب لا تخرج عن اختلاف نظريات في سياسة الدولة وتباين اتجاهات في قانون علاقات الأفراد، ولكفى المسلمون أنفسهم استباحة بعضهم أعراض ودماء بعض ولما تفرقوا خلافاً لما أمر الله، ولما تخطفهم الناس واستدلوهم عقاباً من الله.
وإذا كان الإختلاف في الرأي ظاهرة لازمة لكل مجتمع قام على عقيدة وسخت وامتد نفوذها، فاقتضى هذا الإمتداد والإنتشار قيام دولة، وإنشاء حكومة لحماية العقيدة وحفظ النظام الذي جاءت به لذلك المجتمع، فإن المهاترات الكلامية، والحروب المسلحة بعدها غير لازمة بين معتنقي تلك العقيدة إذا ما اختلفت آراءهم في الفروع والجزئيات، وأكثر ما ينشأ ذلك عن تدخل العامة والدهماء أو من هم في منزلتهم فيما هو من خصائص الخاصة والعلماء إذ بذلك تنقلب الأوضاع