/ صفحة 197 /
فلما جاء في المرة الأخيرة وقت عقد المعاهدة لم يقصدوا منها أن تكون تحالفاً على العرب لأكر أموالهم كما قصدت بنو عامر، ولم يقصدوا منها أن يكون لهم بها ملك على العرب أو غيرهم، وإنما قصدوها على أنها معاهدة دفاعية، يبذلون فيها مهجهم في الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الله عليه وسلم، فلا يعادون إلا من يعاديهم على الإسلام، ولا يحاربون إلا من يحاربهم لأجل أن يفتنهم عنه، كذلك قصدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) معاهدة دفاعية، فلم يشتطر عليهم فيها إلا أن يمنعوه حين يقدم عليهم مما يمنعون من نساءهم وأبناءهم.
ولكن قد يقال: إذا كانت هذه المعاهدة معاهدة دفاعية سلمية، فكيف أقر فيها قطع ما كان بين اليهود وعرب الأوس والخزرج من عهود?.
والجواب أن هذه العهود كانت من آثار الحروب بين الأوس والخزرج، ولم تكن عهوداً سلمية يصح بقاؤها بعد هذه المعاهدة السلمية، فإن لما انقسم هؤلاء العرب على أنفسهم، وقامت هذه الحروب بينهم، حالف الأوس منهم بين قريظة من اليهود، وحالف الخزرج منهم بني النضير وبني قينقاع، فوجب بعد هذه المعاهدة السلمية أن تبطل هذه العهود الباغية، ليؤدي هذه المعاهدة رسالها في التأليف بين الأوس والخزرج، ولا حروب دينية بينهم وبين اليهود، بل تجمع الأوس والخزرج رابطتهم الدينية الجديدة، وتجمعهم واليهود رابطتهم الوطية القديمة، ويكون هناك تصاف بينهم جميعاً في ظل هاتين الرابطتين المقدستين.