/ صفحة 189 /
ويكون قولهم بهذه التفرقة وإفضائها إلى ذلك تحكماً محضاً، إذ يلزم على هذا أن تكون أجسام العالم قديمة كذلك لا علة لها (1).
من أجل ذلك كله، ورغبة من ابن رشد في تصحيح دليل ابن سينا ليكون برهانياً منتجاً للمطلوب، نجده يقول بأنه يجب استعمال هذا الدليل هكذا: (الموجودات الممكنة لابد لها من علل تتقدم عليها. فإن كانت العلل ممكنة لزم أن يكون لها علل ومر الأمر إلى غير نهاية؛ وإن مر الأمر إلى غير نهاية لم يكن هنالك علة، فلزم وجود الممكن بلا علة وذلك مستحيل، فلابد أن ينتهي الأمر إلى علة ضرورية. فإذا انتهى الأمر إلى علة ضرورية، لم تخل هذه العلة الضرورية أن تكون ضرورية بسبب أو بغير سبب؛ فإن كانت بسبب، سئل أيضاً في ذلك السبب. فإما أن تمر الأسباب إلى غير نهاية، فيلزم أن يوجد بغير سبب، ما وضع أنه موجود بسبب، وذلك محال. فلابد أن ينتهي الأمر إلى سبب ضروري بلا سبب، أي بنفسه، وهذا هو واجب الوجود، فبهذا التفصيل يكون البرهان صحيحاً. وأما إذا خرج المخرج الذي أخرجه ابن سينا، فليس بصحيح من وجوه؛ أحدها أن الممكن المستعمل فيه هو باشتراك الإسم (2)؛ وقسمة الموجود أولاً فيه إلى ما هو ممكن وإلى ما هو غير ممكن ليس بصحيح، أعني أنها ليست قسمة تحصر الموجود بما هو موجود (3).
هذا، وابن رشد. لا يرى فقط أن ابن سينا قد أخطأ حين سلك هذا الطريق لإثبات وجد الله تعالى، بل يراه أخطأ أيضاً إذ أتاح للغزالي فرصة إلزامه بوجود موجود قديم مع أنه جسم، كالسموات والعناصر الأربعة؛ فإنها ـ عند الفلاسفة ـ قديمة بأجسامها وموادها، والصور هي التي نتبدل عليها بالكون والإستحالة
ــــــــــ
(1) تهافت الفلاسفة، ص33، 34.
(2) يريد، فيما نعتقد، أن الممكن منه حقيقي ومنه ضروري.
(3) تهافت الفلاسفة، ص 287 ـ 279.