/ صفحة 188 /
نعني إثبات موجود بذاته لا علة له، ويكون هو العلة الأولى لوجود العالم الممكن بذاته.
ذلك، بأن قسمة الموجود إلى ما هو ممكن له علة ـ بمعنى استواء الوجود وعدمه إلهي، والعلة هي التي ترجح وجوده، وإلا لم يوجد ـ وإلى ما هو غير ممكن، أي واجب الوجود من ذاته، قسمة لا تحصر الموجود بما هو موجود (1)، فإن الموجود الذي له علة ينقسم إلى ممكن حقيقي، أي قد يوجد وقد لا يوجد، وإلى ما هو ضروري يوجد حتماً بغيره وإن كان ممكناً بذاته.
وعلى هذا، إن فهمنا من الممكن، الممكن الحقيقي، انتهى بنا الأمر إلى ممكن ضروري له علة، ولم يفض إلى ضروري لا علة له، هو الذي يعنونه بواجب الوجود، لأن الممكنات الحقيقية هي التي يستحيل فيها وجود العلل إلى غير نهاية وأما إن فهمنا المراد بالممكن في هذا الدليل على أنه الضرب الثاني من الممكن، أي الممكن بذاته الضروري بغيره كالجرم السماوي، فليس ييناً بعود أن تسلسل العلل فيه إلى غير نهاية مستحيل بالوجه الذي تبين في الموجودات الممكنة بالحقيقة، كما ليس بينا بعود أن ههنا ضرورياً يحتاج إلى علة (2)، وإذاً، فليس كل موجود محتاجاً إلى علة، ومن ثم لا يثبت وجود واجب الوجود من ذاته وأنه ضروري لوجود كل موجود مطلقاً.
ولهذا الخلل في طريق ابن سينا، حين استدل بالتفرقة بين الواجب والممكن وجعل تأمل نفس والوجود يؤدي لإثبات وجود الله الموجود من ذاته، دون أن يلاحظ أن من الممكن ما هو ممكن ضروري لا تستبين فيه استحالة تسلسل العلل إلى غير نهاية، كما تستبين في الممكنات الحقيقية، لهذا أمكن للغزالي أن يخرج من مناقشته لدليل الفلاسفة بأنه لا سبيل لهم إلى الوصول لإثبات المبدأ الأول،
ــــــــــ
(1) تهافت التهافت، ص279.
(2) نفسه، ص276، 277؛ وانظر أيضاً ص418.