/ صفحة 187 /
من مذهب المتكلمين، إنه يذكر أن الفاعل صنفان: فاعل يستغني عنه مفعوله بعد أن يوجده كالبناء بالنسبة للدار؛ وفاعل يوجد المفعول أيضاً، ولكنه لا يظل موجوداً إلا به، فهو محتاج إليه أبداً. وهذا الفاعل أشرف وأدخل في باب الفاعلية من الأول؛ لأنه يوجد مفعوله ويحفظه، والفاعل الآخر يوجد مفعوله ويحتاج (هذا) إلى فاعل آخر يحفظه بعد الإيجاد) (1)، وإذاً، من يرى من الفلاسفة أن يكون الفعل الصادر عن موجد يجب أن يكون حادثاً، قال إن العالم حادث عن فاعل قديم؛ ومن يرى أن فعل القديم يجب أن يكون قديماً، قال إن العالم حادث عن فاعل لم يزل قديماً، وفعله قديم، أي لا أول له ولا آخر، لا أنه موجود قديم بذاته (2).
إلا أن (الشارح) نعني ابن رشد، لم ير أن يسير مع ابن سينا في طريقه الذي رأى يثبت به وجود الله؛ فقد رآه غير منتج للمطلوب، ولهذا اعترض عليه الغزالي ولم يسلمه له، وهذا الطريق هو التفرقة بين الواجب والممكن، والاستدلال على الفاعل من نفس وجود الواجب ووجود الممكن.
يرى بان رشد أن سلفه ابن سينا استفاد طريقه من المتكلمين المسلمين، ورآه (أي ابن سينا) خيراً من طريق القدماء، أي فلاسفة اليونان، لأنه زعم أنه من جوهر الموجود، ودليل ابن سينا يقوم ـ كما عرفنا ـ على التفرقة بين الواجب من ذاته والممكن من ذاته، وأن العالم بأسره من هذا الضرب الثاني؛ وإذاً، فهو محتاج في وجوده لواجب الوجود من ذاته، قطعاً للتسلسل والدور المحالين عقلاً، (وهذا ـ كما يقول ابن رشد ـ هو اعتقاد المعتزلة قبل الأشعرية، وهو قول جيد ليس فيه كذب) (3).
لكن ابن رشد، بعد هذا، يرى أن طريق ابن سينا لا ينتهي به إلى ما يريد،

ــــــــــ
(1) تهافت التهافت، طبعة بيروت سنة 1930م، ص264.
(2) تهافت التهافت، ص264، 265.
(3) تهافت التهافت ص276.