/ صفحة 182 /
غير موجود أو موجوداً لم يعرض منه محال. وبتعبير آخر، يعتبر نتيجة للتعبير السابق، واجب الوجود هو الضروري الوجود، والممكن الوجود هو الذي لا ضرورة فيه بوجه، أي لا في وجوده ولا في عدمه.
هذا هو ما يعنيه ابن سينا بواجب الوجود وممكن الوجود، عند ما يتلكم فيما بعد الطبيعة، وفي غير هذه الناحية قد يراد بممكن الوجود معنى آخر.
على أنه لا ينبغي أن ننسي أن هذين الوصفين: (واجب وممكن) يثبتان للشيء باعتبار ذاته فقط، أي لا باعتبار شيء آخر يلاحظ معها. وإلا، فهناك من الموجودات ما هو واجب الوجود عند ملاحظة علة أو شرط آخر غير الذات؛ وحينئذ لا يكون واجب الوجود.
هذا هو واجب الوجود، أي الله، عند ابن سينا والمتكلمين.
مثلاً، كما يقول ابن سينا نفسه (1): الأربعة واجبه الوجود لابذاتها، ولكن عند وجود اثنين واثنين، وكذلك الاحتراق واجب الوجود لا بذاته، ولكن عند ما تلامس النار الهشيم مثلا؛ أي (عند فرض التقاء القوة الفاعلة بالطبع والقوة المنفعة بالطبع، أي المحرقة والمحترقة).
وهنا نلاحظ أن تقسيم الشيء إلى: واجب الوجود بذاته، وممكن الوجود بذاته، أي جعل القسمة ثنائية، لا يخالف تقسم المتكلمين له إلى: واجب الوجود ومستحيل الوجود، وممكن الوجود، أي جعل القسمة ثلاثية، فإن مستحيل الوجود هو شيء ممكن الوجود بذاته، ولكن عرض له ما جعله مستحيل الوجود بغيره؛ سواء كان هذا (الغير) هو عدم علة الوجود أو كان شيئاً آخر، وفي هذا يقول الشيخ الرئيس (2):
ــــــــــ
(1) النجاة، ص225. الإشارات، 36 ـ 37.
(2) وفي هذا أيضاً يقول في النجاة (ص 237): (وذلك أن تعلم أن كل حادث، بل كل معلول، فإنه باعتبار ذاته ممكن الوجود، ولكن الحق أن ذاته ممكنة في نفسها؛ وإن كانت باشتراط عدمها ممتنعة الوجود وباشتراط وجودها واجبة الوجود).