/ صفحة 181 /
للعالم، إلى طريق آخر يستطيع أن يوفق به بين تصور أرسطو للإله، وفكرة القرآن عنه جل وتعالى.
وهذا الطريق الذي رضيه ابن سينا، ليس أيضاً طريق المتكلمين الذي يقوم على الاستدلال بالعالم المحدث من عدم، على وجود الله المحدث له، أي الاستدلال بالمخلوق على وجود الخالق. إنه لم يرض هذا الطريق أو الدليل، فهو دليل من لم يرتفع كثيراً عن العامة أمثال رجال علم الكلام. بل اختار دليلاً آخر يقوم على التفرقة بين الواجب والممكن، أو على عدم اعتبار شيء آخر غير الوجود نفسه.
وفي هذا يقول في كتابه الإشارات: (تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته، وبراءته من السمات، إلى تأمل لغير نفس الوجود، ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله، وإن كان ذلك دليلاً عليه، لكن هذا الباب أوثق وأشرف، أي إذا اعتبرنا حال الوجود، فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود، وإلى مثل هذا، أشير في الكتاب الإلهي: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، أقول: هذا حكم لقوم، ثم يقول: (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)، أقول: إن هذا حكم الصديقين الذين يستهدون به لا عليه) (1).
وبعد ذلك، ما هو هذا الدليل الذي اختاره ابن سينا لإثبات وجود الله، بعد أن لم يرض دليل أرسطو ودليل المتكلمين المسلمين? هذا الدليل يرتكز كلما قلنا، على التفرقة بين الواجب والممكن، فلنبدأ إذاً ببيان ما يريده بكل من هذين المصطلحين.
واجب الوجود، كما يذكر الشيخ الرئيس في النجاة (2) هو الموجود الذي متى فرض غير موجود عرض منه محال، وممكن الوجود هو الذي متى فرض

ــــــــــ
(1) الإشارات، طبع الحلبي القسم الثالث ما بعد الطبيعة، ص 79 ـ 80
(2) الطبعة الثانية للكردي بمصر عام 1938