/ صفحة 180 /
المسألة أو تلك، لأن هدف ابن رشد مما كتب كان بيان الحق، سواء كان مع الشيخ الرئيس أو مع حجة الإسلام الغزالي.
* * *
والآن نأخذ فيما قصدنا له، أي فيما كان بين ابن سينا وبين ابن رشد في مسألة وجود الله وإثباته، فهي أول المسائل الإلهية التي يتناولها المتكلمون والفلاسفة على السواء.
وجود الله وإثباته:
يرى أرسطو في القول (بالمحرك الأول) ما يكفي لتفسير وجود العالم، وما فيه من حركة وكون وفساد، فجعل هذا (المحرك الأول) الحد الأخير الذي تنتهي إليه سلسلة المتحركات؛ فهو وحده الثابت الذي لا يتحرك، وبغير وجوده لا تجد حركة العالم تفسيرها المعقول.
وهذا المحرك الأول، أو الأخير في سلسلة المتحركات بعبارة أُخرى، هو الإله في رأي المعلم الأول. ولكن، ما أثر هذا المتحرك الأول في العالم? هل يحركه باعتباره فاعلام خالفاً له? إن أرسطو وجد في القول بذلك صعوبات عقلية لم يستطع التغليب عليها، فذهب إلى أن هذه الحركة تكون منه باعتباره علة غائية يتجه إليها العالم، ومن ثم يكون الكون والفساد أي الحدوث والعدم.
لكن هذا الدور الذي جعله أرسطو للمحرك الأول، على أنه الإله، لا يجعله إلها حقا، وبخاصة من وجهة النظر الدينية، أي الإسلامية وغير الإسلامية، إذ أن هذا المحرك الأول، على هذا التصور والفهم، لن يكون هو فاعل العالم وصانعه وخالقه، بينما القرآن ـ وكل الكتب السماوية ـ صريح كل الصراحة في أن الله هو خالق كل شيء، الخالق بإطلاق وبكل ما تحتمل هذه الكلمة من معنى وقوة.
من أجل ذلك، نرى ابن سينا مضطراً للعدول عن طريق أرسطو لإثبات وجود الله تعالى، ما دام هذا الطريق لا يؤدي إلى إثبات أنه العلة الفاعلة الخالقة