/ صفحة 18 /
لون آخر من التمرد بمحاولة تضليل الحكام عن الحق:
هذا وقد أرشدتنا السورة إلى لون آخر من ألوان التمرد على أحكام الله، منى به المسلمون كذلك في آخرهم كما منوا به في أولهم، ويرجع هذا اللون إلى استخدام القوى والمواهب والتدبير لا ظهار الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق خديعة للحاكم وتضليلا للقضاء، عرضت السورة إلى هؤلاء الذين يتخذون هذا اللون من التمرد سبيلا لتبرئة نفوسهم وهم الجناة، وادانة غير هم من البرءاء وهم المدينون أو سبيلا إلى كسب خبيث يحصلون عليه من الدفاع والمحاولة بالباطل ليخفوا به الحق، عرضت السورة لهذا الفريق من الناس وحذرت الرسول أن يخدع بأساليبهم أو يتهاون في تحرى الحق اعتماداً على ظن الصدق فيهم، وعلى ظاهر حالهم في دعوى الإيمان والخوف من الله، وجاء ذلك في جملة من الآيات نزلت في حادثة حاول فيها أهل الجاني أن يصرفوا عنه الجناية وأن يرموا بها بريئاً من اليهود، واتخذوا التدبير السىء وطرق الخداع سبيلا لصرف الرسول عن الحق، وتتلخص هذه الحادثة في أن رجلا من ضعفاء المسلمين بالمدينة يقال له "طعمة" سرق درعا من جاره ثم خبأها عند يهودي فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد، وحلف ما أخذها وما له بها علم، ثم وجدت عند اليهودي فقال اليهودي دفعها إلى طعمة، واستحفظنى علها، وشهد له بذلك ناس من اليهود فاهتم لذلك قوم طعمه، وأخذوا يتناجون فيما بينهم في طريق تبرئته والصاق السرقة باليهودي، وبيتوا في ذلك ما بيتوا ثم النطلقوا إلى الرسول، وأخذوا يثيرون نفسه بأن هذه التهمة من كيد اليهودية للإسلام، وأنهم ما يعلمون عن صاحبهم "طعمة" إلا خيرا، وشهدوا أمام الرسول ببراءته، وسرقة اليهودي، وسألوا الرسول أن يجادل عنه وأكثروا عليه في هذا الشأن، فبادره الوحي بهذه الآيات،: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذا يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلا، ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه، وكان الله عليما حكيما، ومن يكسب خطيئة أو إثماثم يرم به بريئا فقد احتمل بهنانا وإثما مبينا، ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" الآيات 106 - 113