/ صفحة 19 /
القضاء لا يحل حراما ولا يحرم حلالا:
هذا وإنا نختم هذا الفصل بما صح من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم في حجرة زوجه أم سلمة فسمع ببابها نزاعا ارتفعت فيه الأصوات، وعلا بعضها على بعض، فخرج إليهم فإذا هم خصوم يتنازعون حقوقا بينهم، وقد جاءوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم ليفصل بينهم فيها، فابتدرهم بقوله: "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم، ولعل بعضكم أن يكون ألحن لحجتة من بعض فأحسب أنه صادق فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم إنما هي قطعة من النار فلياً خذها أو ليتركها". ويدل هذا الحديث مع إشارة الآيات السابقة على أن القضاء لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وأنه يحب على من صدر له حكم عن طريق التزوير والاحتيال أن يراجع نفسه، وأن يتحلل من ذلك الإثم برد الحق إلى صاحبه.
من واجب القاضي بذل النصح للخصوم:
كما يدل على أن مهمة القاضي ليست قاصرة على استماع البينات وإصدار الأحكام وإنما تتناول قبل ذلك ؤن يمحض المتنازعين النصح، وأن يرشدهم إلى عاقبة التضليل والاحتيال رجاء أن يوفروا على أنفسهم أسباب الخصومة الدائمة، كما يوفروا على أنفسهم النفقات الطائلة التي يبذلونها في سبيل التمويه والخداع، وبخاصة في سبيل استنجار الذين لا عهد لهم ولا إيمان "الشهود المزورين" هذا معظم ما تضمنته السورة من وسائل الاستقرار الداخلي في الأُمة، سواء أكان من جهة الأسرة وتكوينها، أم من جهة الأموال والمحافظة عليها، أم من جهة النظام والقانون الأساسي الذي تكوين عليه الجماعة في الحكم وحفظ الحقوق وتوفير الأمن والاطمئنان، وإلى اللقاء في العدد المقبل إن شاء الله.