/ صفحة 16 /
الاعتماد في التشريع على غير هذه المصادر
يتنافى مع الإيمان بما أنزل على الرسول:
وبهذا كان كل تشريع ليس مأخوذاً من كتاب الله ولا سنة الرسول، ولا من الرد إليهما عن طريق القواعد العامة تشريعاً باطلا يتبع الأهواء ولا يضمن صلاح الحياة، ولا رضاء الله، وهو لذلك لا يكون من شأن المؤمنين بالله ورسوله.
وقد أردفت هاتان الآيتان بذكر لون من ألوان التمرد على هذا الوضع التشريعي، فوصفت السورة قوما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إلى الرسول، وإلى إخوانه السابقين، ومع هذا ينبذون في أعمالهم وأحكامهم أن يعتمدوا على هذه المصادر التشريعية التي حددها الله لعباده ويسايرون في أحكامهم وقوانينهم من لا يؤمنون بالله، ويتحاكمون إلى الطاغوت فيحّل لهم ويحرم، ما شاء أن يحل ويحرم، وبذلك يعطلون حدود الله فيحلون ما حرم اللهـ، ويحرمون ما أحل، بل يشتط بهم الهوى والانقياد للطاغوت فيسخرون من شرع الله، ويعتبرون الدعوة إليه رجعية لا تساير تقدم الحياة ولا حضارة الإنسان. "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" واقرأ فيهم قوله تعالى من السورة "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويديد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا". وفي هذا السياق تبين الآيات أن التحاكم إلى ما أنزل الله وإلى ما قرره من المصادر التشريعية شرط في صحة الإيمان بالله، وأنه لا نجاة لهؤلاء الذين يصدون عن رسول الله في شأن ما أنزل عليه إلا بالتوبة والاستغفار والرجوع إليه عن إيمان وتسليم، "و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاموك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.