/ صفحة 15/
الاجتهاد من مصادر التشريع وبا به مفتوح أبداً:
ويشمل أيضا النظر في تعرف حكم الحادثة عن طريق القواعد العامة وروح التشريع التي عرفت من جزئيات الكتاب تصرفات الرسول، وأخذت في نظر الشريعة مكانة النصوص القطعية التي يرجع إليها في تعرف الحكم للحوادث الجديدة وهذا النوع وهو المعروف بالاجتهاد عن طريق الرأي وتقدير المصالح. وقد رفع الإسلام بهذا الوضع جماعة المسلمين عن أن يخصعوا في أحكامهم وتصرفاتهم لغير الله، ومنحهم حق التفكير والنظر والترجيح واختيار الأصلح في دائرة ما رسمه من الأصول التشريعية، فلم يترك العقل وراء الأهواء والرغبات، ولم يقيده في كل شيء بمنصوص قد لا يتفق مع ما يجدُّ من شئون الحياة، كما لم يلزم أهل أي عصر باجتهاد أهل عصر سابق دفعتهم اعتبارات خاصة إلى اختيار ما اختاروا. وهنا نذكر بالأسف هذه الفكرة الخاطئة الظالمة التي ترى وقف الاجتهاد وإغلاق بابه، ونؤكد أن نعمة الله على المسلمين بفتح باب الاجتهاد لا يمكن أن تكون عرضة للزوال بكلمة قوم هالهم أو هال من ينتمون إليهم من أرباب الحكم والسلطان أن يكون في الأُمة من يرفع فيها لواء الحرية في الرؤى والتفكير - فالشريعة الإسلامية رغم ما يقول هؤلاء شريعة عامة خالدة، صالحة لكل عصر، ولكل إقليم. وما على أهل العلم إلا أن يجدّوا ويجتهدوا في تحصيل الوسائل التي يكونون بها أهلا للاجتهاد في معرفة حكم الله الذي وكل معرفته - رأفة منه ورحمة - إلى عباده المؤمنين "و لو رّدوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" واقرأ في هذا الموضوع كله قوله تعالى من السورة "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيرا يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" الآيتان 58 - 59"