/ صفحة 154 /
في الرزق، وأدر عليه أخلاف الثراء، حتى إن مفاتيح خزائنه كانت تعجز عن حملها العصبة من أولى القوة، فكان مرموقاً بعين الغبطة من كل من رآه في زينته.
وكان أولوا البصائر من قومه يعظونه ويبذلون له النصح ويحذرونه، فلا يزداد إلا زهواً وخيلاء.
أما المولعون بالدنيا، الذين يزدهيهم زخرفها فقد قالوا: (ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) فوعظهم أهل البصر النافذ فيما وراء المظاهر الخلابة، وقالوا لهم: (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً).
ولكن سرعان ما أزال الله عنه لباس النعمة، وأذاقه عاقبة طغيانه، فخسف به وبداره الأرض، ولم يجد له ناصراً ومعينا، فأدرك الذين تمنوا مكانه بالأمس عاقبة الطغيان، ومصرع البغي والعدوان، وتيقضوا إلى سنة الله العادلة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا).
لهذا بني الإسلام على قول (لا إله إلا الله) فهي شطر الإيمان وأفضل الذكر، بني الإسلام بل كافة الأديان عليها، لأن معناها لا يعبد حقاً سوى الصانع الأعظم، والإله الأوحد، ولا معنى للعبادة إلا التذلل والخضوع، فيكون معنى (لا إله إلا الله) لا يستحق التذلل والخضوع غير الله.
فإذن كل من يطلب من الناس التذلل له، والخضوع لقهره، فهو مشارك لله في ألوهيته، خصم له في وحدانيته، فيقصم القهار ظهره ولا يبالي، ويبطش الجبار بصولته ولا يداري.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما يحكي عن ربه عز وجل: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما شيئاً قصمت ظهره ولا أبالي).
عند ذلك تيقظ ضمير الإنسانية وقد كان نائماً ويفطن لقوة الإله السرمدية، وقد كان غافلاً، فيوقن أن هناك قواما على العدل، حفيظاً على القسط إنه لا يحب المعتدين (والسماء رفعها ووضع الميزان).