/ صفحة 153 /
عند ذلك يتولى الله تأدييهم، ويذكرهم بجبروته، ويذيقهم من بأسه، فيبدل أمنهم خوفاً، وعزهم ذلا، ونعيمهم بؤسا (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين). (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد).
وفي ذلك أقوى برهان على وجوده، وأكبر دليل على ألوهيته، لأن الحاسة الدينية مرتبطة أشد الارتباط ببعض الغرائز الإنسانية كغريزة الخوف والعجب والخضوع وحب البقاء، فمهما كابر الطاغية وعاند وتجلد وقاوم، لابد أن يضعف ويخضع، ويستكين ويخشع، إذا ما شعر بيد الجبار تأخذه، وبقوة القهار تقهره.
ألا ترى إلى فرعون موسى بعد أن كان ينادي في قومه أنه ربهم الأعلى وعلا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، واستنكف أن يلبي دعوة موسى، ويتبع دينه معتزاً بسلطانه، تياهاً بجناته وعالي بنيانه، لما أدركه الغرق، وظهر له ضعفه، آمن بإله موسى، وصرخ بأنه يطيع ما أطاعه ويلبي نداءه (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).
هكذا سنة الله في تأديب الطغاة المفسدين من أفراد وأمم وجماعات وأحزاب، يتولى الله تأديبهم بالبأساء، وينزل بهم صاعقة من مقته، ويقرعهم بصفعة من سخطه عبرة لغيرهم، وإيقاظاً لأمثالهم، خشية أن يستولي اليأس من الحق على النفوس ويستبد القنوط من العدالة بالقلوب، فتمتليء قلقاً وزعزعة، واضطراباً وبلبلة، بل ربما قذف بها اليأس إلى مضيق الشك في وجود الإله والارتياب في عدل الخالق، لو لا صاخة من انتقامه تصيب المتجبرين، وقارعة من بلائه تنزل بالمفسدين فتعود النفوس إلى طمأنينتها، وتستيقظ القلوب من غفلتها، ويؤوب إليها إيمانها.
ألا ترى إلى قصة قارون، وقد كان رجلاً من بني إسرائيل، آتاه الله بسطة