/ صفحة 152 /
البطش بالمتجبرين
من أكبر براهين ألوهيته
لحضرة الأستاذ عبد الوهاب حموده
أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول
يظل الإنسان سادراً في غلوائه، تائهاً في ظلال نعمائه، يبطش ويتجبر، ويطغى ويتكبر، ما دام يشعر بالقوة طوع بنانه، وبالصولة رهن إشارة سلطانه (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) فيخرج على قومه في زينته، ويستعلي عليهم بجبروته، وحوله أنصاره وشيعته، ووراءه جمعه وعصبته، يدعي لنفسه البطش والغلبة، ويزعم لأصحابه القوة والمنعة، يبغض العلماء وإباءهم، ويمقت الأحرار وعزتهم، لأن للعلم نوراً يكشف به ظلمات المتجبرين، وسلطاناً يهزأ بسلطان المفسدين، وأن للأحرار نفوساً تتضاءل أمامها نفوس العتاة المتكبرين.
فلا يجد الطاغية محيصاً عن محاولة إطفاء نور العلم (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ولا يجد بدأ من أن يضطهد الأحرار فلا يزيدهم اظطهاده إلا قوة وتأييداً، فيلجأ إلى العوام، وهم قوت المتجبر وقته، بهم يصول، وعلى غيرهم يطول، يستبد بهم فيهللون لشوكته، ويخونهم في أمانته فيهللون لخيانته، ويعبث بأموالهم فيرتضون عبثه، ويهينهم فيتقبلون إهانته، لأنهم عباد المال، وعبيد المنافع، قد غطت المصالح الشخصية على أعينهم، وطمست المنافع المادية على قلوبهم، وغلبت الأهواء على ضمائرهم، فعجزت المواعظ أن تصل إلى قلوبهم، وأخفقت الزواجر أن تجد لها سبيلاً إلى نفوسهم، وضاعت كلمة الحق بينهم، وضل صوت الإرشاد في ضوضائهم.