/ صفحة 14/
اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله بما تعملون" فالعدل شأن الله في الخلق، والتشريع، والجزاء. وعناصر العدل في الحكم هي معرفة الحكم من مصدره التشريعي، ثم فهم الحادثة من جميع جوانبها، ثم تحرى انطباق الحكم على الحادثة، ولا بد مع ذلك كله من التسوية بين الخصوم في مجلس القضاء في كل شيء حتى النظرة واللفتة.
مصادر التشريع في الإسلام:
ثم بهذه المناسبة تذكر السورة مصادر التشريع التي يجب أن يرجع إليها المسلمون في تصرفاتهم وأحكامهم، وهي:
أولا: القرآن الكريم، والعمق به هي إطاعة الله.
ثانياً: سنة الرسول قولية كانت أم فعلية، والعمل بها هي طاعة الرسول.
ثالثاً: رأى أهل الحل والعقد في الأُمة من العلماء وأرباب النظر في المصالح العامة كالجيش، والزراعة، والصناعة، والتعليم، كل في دائرة معرفته واختصاصه والعمل به هي إطاعة أولى الأمر، وهذه المصادر في الرجوع إليها مرتبة على هذا النحو، فلا نرجع إلى السنة إلا بعد عدم العصور على الحكم في القرآن، فنرجع إلى السنة حينئذ، إما لمعرفة الحكم الذي لم يدر في القرآن، أو لبيان المراد مما ورد في القرآن، ولا نلتجىء إلى رأى أولى الأمر إلا بعد عدم العثور على الحكم في السنة وعندئذ نرجع إليهم ليجتهدوا رأيهم، وهذا الاجتهاد هو عنصر "الشورى" الذي بني عليه أمر المسلمين، ومتى جاز الاتفاق وجب العمل به ولا يصح الخروج عنه ما دامت وجوه النظر التي أدت إليه قائمة، وهو أساس فكرة الإجماع في الشريعة الإسلامية، وقد انتفع به المسلمون كثيرا، واتصع به نطاق الفقه الإسلامي، وبخاصة فيما ليس منصوصاً عليه في كتاب الله وسنة الرسول، وهو يشمل إعطاء حكم لحادثة مثل حكم حادثة سابقة للاشتراك بينهما في المعنى الموجب لذلك الحكم، وهذا هو المعروف في لسان الفقهاء والأصوليين باسم "القياس" وقد بحثوه بحثا مستفيضا، بينوا فيه أركانه، وشرائطه، وعلّته، وما ينقضه وما لا ينقضه، وما يجرى فيه ومالا يجرى فيه، وقد تكفلت به كتب الأصول فليرجع إليها من شاء.