/ صفحة 145 /
والقرآن ينهى عن الجدال والمراء، ولا يحب الاشتغال بما لا يجدى من القول ولا يفيد في إصلاح حال، وأول ذلك ما يؤدي إلى التفرق في الدين، والتشكك في قضاياه (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب، فلذلك فادع، واستقم كما أمرت، ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير، والذين يحاجون في الله من بعد لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير، والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحظة عند ربهم وعليهم غصب ولهم عذاب شديد).
هكذا ينهى الإسلام عن كل سبب يفضي بالمؤمنين إلى التنازع والتقاطع، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ينكر على من يراه من المسلمين مشغولاً بشيء من ذلك، وكان أصحابه من بعده على سنته: آمنوا بما أنزل الله إيماناً ثابتاً، ولم يلبسوا إيمانهم يجدل ولا سؤال عن كيف أو أين، ولم يكلفوا أنفسهم البحث في أن الصفات عين أو غير، ولا في معنى اليد أو الوجه، وبذلك عاشوا متصافين متعاونين، فلما دخلت على الناس مسائل الاستواء والصفات والأعراض والذوات والصلاح والأصلح والكسب والخلق وأمثالها من القضايا النظرية الفلسفية التي لا يضر جهلها، ولا الاختلاف في عملها؛ افترقوا واحتربوا ونسوا العلم النافع والعمل الصالح، وعرفوا الطائفية والعصبية، وصاروا شيعاً كل حزب بما ليديهم فرحون، وبذلك وهنت قواهم، وانحلت عراهم، وتمكن منهم أعداؤهم، وجعلوا ينحدرون من شيء إلى أسوأ، حتى صاروا أضعف الأمم علماً وجنداً ومالاً ومنزلة في العالمين.
فإذا بدا لنا أن شيئاً من هذه البحوث النظرية، والرياضيات العقلية سيخرجنا عن أخوة الإسلام، ويقطع ما بيننا من أواصر الأرحام، ويحيلنا إلى أمة متقاطعة متنافرة، وينسنا أهدافنا في الدعوة إلى الله وتبليغ دينه، والقيام بحقه، فعلينا أن