/ صفحة 144 /
(إنا خلقناكم من ذكر وأنى وجعلناكم شعوباً وقبابل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وهو ينهى المؤمنين عن التعالي والتكبر، وأن يسخر بعضهم من بعض، أو يلمز بعضهم بعضاً (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء، عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).
وفي هذه الآية إرشاد إلى أسمى التعاليم، وأشرف الآداب العامة بين أفراد الأمة وطوائفها، وهي تشير إلى معنى في البشر لا يكاد يخلو منه إنسان، ذلك هو اعتداد المرء بنفسه، وغفلته عن عيوبه، وميله إلى تحقير غيره والسخرية منه، فهي تنهى عن هذه السخرية، وتعالج مبعثها في نفس فاعلها بإثارة الشك في مقاييسه وأحكامه، وبيان أنه قد يكون مخطئاً فيحسب أنه خير من فلان بينما الواقع أن فلاناً خير منه، وهذا من شأنه أن يهذب النفوس، ويكفكف من غلوائها، ويقطع كثيراً من أسباب الحقد والضغائن، ولو طبقه أهل العلم والرأي وأصحاب المذاهب فيما بينهم، لما استطاع التعصب أن يطل برأسه، ولما تراشق المختلفون بسهام التجهيل والتكفير والتضليل وأمثال ذلك مما هو منبعث عن الاعتداد بالنفس والسخرية من الآخرين.
كما أن هذه الآية تنهى عن اللمز والتنابز بالألقاب، وتعتبر من يلمز أخاه لامزاً لنفسه، وهذا معنى يجب أن تنتبه إلى ما يوحى به، فإن المسلمين حين لمزت كل طائفة منهم أختها أصبحوا كلهم جرحى أمام خصومهم وأعداء ملتهم، فهم يحكمون على طوائفهم بما يحكم به بعضهم على بعض، فيحتقرونهم جميعاً، وبهذا كان الذي يلمز أخاه إنما يلمز نفسه.
ثم هي تجعل ذلك كله خروجاً على الإيمان، وتسميه فسوقاً، وتطلب التوبة منه والإقلاع عنه وتحصر الظلم الكامل فيمن لم يتب منه (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).