/ صفحة 132 /
تخفي أدلة الربوبية، ولعلك تجد في كثير من الآيات دلالة على هذا التقييد، (وقال الملأ الذين استكبروا) (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا).
وعلى كل فالمناط هو الإعراض عن الهدى بعد تبينه ووضوحه؛ فمتى وجد استتبع الجزاء المذكور، وإذا لم يوجد كنت في حل من الحكم بنفيه.
فصل الخطاب في مسألة الجبر والاختيار:
أما قوله تعالى (نوله ما تولى) فقد رأى بعض الناس أنه يقرر دفع الله للعبد في طريق الشر، أو أنه جزاء لمن يدفع نفسه في طريق الشر، ينزله الله به في الدنيا كإصلائه جهنم في الآخرة، والمعنى على هذا الأخير أن الله يعاقب على المشاقة بعقوبتين:
إحداهما: دنيوية، وهي زجه في مهاوي الشر والضلال، ودفعه فيها دفعاً جزاء ما فتح على نفسه من أبواب الضلال، وبهذا يفسرون نحو قوله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (وما يضل بها إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله) من الآيات التي تدل بظاهرها على أن يضل من ضل جزاء ضلاله.
والثانية: عقوبة أخروية وهي إصلاؤه جهنم.
ولست على أحد هذين الرأيين، فالله لا يضل عبده ابتداء ولا يزجه في الضلال جزاء ضلاله، والرأي أن الله خلق الناس وخلق فيهم القدرة الصالحة لفعل الخير وفعل الشر (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا.
إن هديناه السبيل، إما شاكراً وإما كفوراً). (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين) ثم بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ثم ترك كل امرئ وما يختار لنفسه لا يحمل أحداً بقوة خارجة عنه على خير، ولا يدفعه إلى شر، ولو شاء لهدى الناس جميعاً، وجعل الخير وحده من طبيعتهم، ولكنه شاء أن يخلقهم كذلك لينظر أيشكرون أم يكفرون? وهو ييسر اليسرى لصاحب اليسرى، يتركه فيها ولا يحول بينه وبينها، وييسر العسرى لصاحب العسرى يتركه فيها ولا يحول بينه وبينها، وهذا هو السبيل الذي تحمل