/ صفحة 133 /
عليه كل الآيات التي وردت في هذا الموضوع، وعليه فليست توليه الله ـ لمن يشاقق الرسول ـ ما تولى الواردة في الآية تعبيراً عن الضلال ابتداء ولا جزاء، وإنما هي تعبير عن تخلية الله بينه وبين ما يريد لنفسه من ضلال وذلك بحكم خلقه إياه قادراً على الخير والشر، مختاراً في فعلهما (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) والمعنى في هذا وأمثاله وهو كثير في القرآن: تركناه وشأنه ولم نحل بينه وبين ما أراد لنفسه. هذا هو ما يجب أن يفهمه الناس ويتخذوه أساساً لهم في هذه الحياة العاملة، ويبدوا به عما بلبل أفكارهم وفرقهم من الآراء والفرق التي اتخذت هذا الموضع ميداناً للنقاش والجدل فيما لا يتصل بحياة الإنسان الجادة العاملة، وفيما لم يكلفهم الله به ولم يطلبه عقيدة من عقائده.
وقد تناولى علماء الكلام في القديم والحديث هذه المسألة، وعرفت عندهم بمسألة الهدى والضلال، أو بمسألة الجبر والاختيار، أو بمسألة خلق الأفعال، وكان لهم فيها آراء فرقوا بها كلمة المسلمين، وزلزلوا بها عقائد الموحيدن العاملين، وصرفوا الناس بنقاشهم في المذاهب والآراء عن العمل الذي طلبه الله من عباده، وأخذوا يتقاذفون فيما بينهم بالإلحاد والزندقة، والتكفير والتفسيق، وما كان الله وآياته بينات واضحات ليقم، لهم وزناً فيما وقفوا عنده، وداروا حوله، ودفعوا الناس إليه.
وهذا فريق منهم يرى: أن العبد لا اختيار له في فعل ما، وهو مجبور ظاهراً وباطناً، فالهداية تلحقه بخلق الله، والضال يلحقه بخلق الله دون أن يكون له دخل ما في هدايته أو ضلاله لا ابتداءاً ولا جزاءاً، وهذا رأي يناقض صريح ما جاء في القرآن من نسبة الأعمال إلى العباد، ومن التصريح بأن الجزاء ثواباً أو عقاباً إنما يكون بالأعمال الصادرة من العباد، وهي أكثر من أن تحصى، وهو بعد ذلك يصادم الشعور والوجدان الذي يجده كل إنسان من نفسه حينما يفكر وحينما يتجه ويعزم، وحينما يفعل، وهو مع كل هذا ينقض قاعدة التكليف، وهي اختبار المكلف، وقاعدة العدالة، وهي السيئة والحسنة بالحسنة.