/ صفحة 131 /
ولم يتبين له الحق ـ كل أولئك لا ينالهم في حكم الله ـ هذا الوعيد المذكور في قوله (نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
هذا هو ما يفهم من الآية، وهو واضح في أن الشعوب النائية التي لم تصل إليها دعوة الإسلام أو لم يصور لهم الإسلام إلا تصويراً سيئاً منفراً، أو لم يفقهوا حجته مع اجتهادهم في بحثها وتجرد أنفسهم لمعرفة حقيقتها، هم جميعا بمنجاة من هذا العقاب وليسوا عند الله كفارا يخلدون في النار. نعم هم في أحكام هذه الدنيا ليسوا بمسلمين لأن أجزاء الأحكام الإسلامية في الدنيا مشروط بالنطق بالشهادتين وتصديق الرسول فيما جاء به عن ربه، فلنا أن نقف بهم عند هذا الظاهر ونحكم بأنهم غير مسلمين، فلا تجري عليهم أحكام المسلمين، ولا نحكم بأنهم كفار عند الله، فلا يلزمنا أن نعتقد خلودهم في النار. يقول بعض الناس أن هذا استدلال بدلالة المفهوم ولا يعتد بها عند كثير من العلماء، وإن من يعتد بها يراها ظنية لا تفيد القطع فيما يحتاج إلى القطع، ولكنا نرى أن هذا تحكيم لقواعد اصطلاحية في فهم كلام الله الغني بذاته عن هذه القواعد، الواضح في دلالته على اعتبار ما يذكر من شروط وقيود، ولو صح هذا لأهملنا في الآية الأولى بحكم هذه القواعد قيد (ابتغاء مرضاة الله) وجوزنا أن من يفعل شيئاً مما ذكر وليس مبتغياً مرضاة الله بفعله؛ ينال الأجر العظيم الذي ذكره الله.
نعم يرى بعض العلماء أن الكفر بالله وحده لا عذر لأحد فيه، وذلك لوضوح الأدلة الشاهدة بوجوده ووحدانيته، ولأنه مركوز في الطباع، وربما استدل هذا البعض بإطلاق مثل قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). والذي نفهمه من هذه الآية ونحوها أنه من الجائز أن تكون مطلقة غير مقيدة لأن الهدى في الاعتراف بالإله بين ظاهر لكل من عنده عقل وإدراك بلغته دعوة أم لم تبلغه، أعمل فكره في الأدلة أم لم يعمله، وبذلك يكون منكر الإلوهية ممن يصدق عليه أنه شاق الرسول بعد تبين الهدى، وقد تكون مقيدة بالشرك الذي هو عن عناد واستكبار لا عن خفاء في الأدلة أن صح أن