/ صفحة 130 /
كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) (يأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) وهكذا تجد آيات القرآن تحدد سبيل الله الذي هو سبيل المؤمنين.
ومن حمل الآيات على غير وجهها، ومن تفسير القرآن بغير ما يدل عليه القرآن أن يفسر سبيل المؤمنين في هذه الآية بالإجماع الذي يعده الأصوليون أحد أدلة الأحكام الشرعية العملية ويعرفونه بأنه انفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاة نبيها على حكم شرعي في أي عصر؛ فسبيل المؤمنين أمر مقرر من مبدأ الوحي والرسالة وهو كتاب الله وسنة رسوله، ومن هنا يتبين أن الاشتغال ببيان وجوه دلالة هذه الآية على حجية هذا الإجماع صرف للآية عن موضوعها والغرض منها، واشتغال بما لا يجدي شيئاً فيما سيقت له أو تدل عليه، على أنه مع كثرة ما انتحلوا منن وجوه دلالتها على هذا الإجماع قد عادوا فنقضوا ما انتحلوا، ثم عادوا فأجابوا عما به نقضوا، وانساقوا في سبيل الجدل الذي لا يقف عند حد، ولا ينتهي عند رأي، وكان الأولى بهم أن يلتمسوا ما يريدون من غير هذا الوادي، وأن يتركوا هذه الآية تعمل عملها فيما رسم الله لها من دائرة.
بعض الشعوب النائية من غير المسلمين لا ينالهم الوعيد في هذه الآية:
والآية بعد ذلك كله صريحة في أن الوعيد المذكور فيها هو لمن يشاقق الرسول ويبارزه بالمناوأة والمعاداة بعد أن يتضح له الحق ويظهر بدلائله البينة فيعرض عنه عناداً واستكباراً، أو اتباعاً لشهوة أو جاه زائل، أو خوفاً من لوم الناس وتعنيفهم.
وهذا يقتضي أن تكون دعوة الحق قد بلغته على وجهها الصحيح دون تحريف ولا تشويه، ووصل بنظره فيها وفيما أقيم عليها من أدلة إلى إدراك حقيقتها، ثم انسلخ منها وأعرض؛ فمن لم تبلغه الدعوة أصلاً، أو بلغته مشوهة ولم يتهيأ له سبيل النظر فيها عن طريق مظهر جميل يغرية بها وبالنظر فيها، أو بلغته على وجحهها الصحيح ونظر، وظل ينظر طول حياته ابتغاء الوصول إلى الحق، ولكنه مات