/ صفحة 129 /
التناجي إنما يكون خيرا إذا كان فيما ينفع الناس ويصلح شئونهم، وأن ما ينفع الناس ويصلح الشئون لا يستحق صاحبه الأجر والمثوبة إلا إذا فعله علي وجه يركز الفضيلة في نفسه ويربطه بالمبدأ الدائم الذي لا يفني ولا يتغير، فيستمر خيره ولا ينقطع مدده، ولا يكون ذلك إلا إذا قصد به ابتغاء مرضاة الله، وكان من الطبيعي بعد هذا البيان: أن يبين حكم من يشاقق الرسول في شيء من هذا، فلا يفعل الخير، أو يفعله علي غير هذا الوجه، يتبع في عمله وسلوكه غير سبيل المؤمنين، ذلك هو ما تكفل به قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سيبل المؤمنين نوَله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
والمشاقة: المعاداة، وهي كالمحادة، ومنه قوله تعالى في وصف الكافرين: ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب).
وقوله: (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) وأصله: أن يكون المرء في شق غير شق صاحبه، والمعنى يرجع إلى الخروج عما رسم الله لرسوله والمؤمنين، واتخاذ طريق آخر لا يلاقي، أو لا يحقق الخير الذي يريده الله لعباده عن طريق ما رسم.
وتبين الهدى: ظهوره واتضاحه بالبرهان والدليل، وسبيل المؤمنين هو ما بينه الله في تلك الآيات السابقة وفي سائر القرآن من معرفة الحق والعمل على مقتضاه، ونفع الناس به، وهو الصراط المستقيم الذي يجمع بين علم الحق والعمل بالحق. والذي لفت الله أنظار المؤمنين إلى الدعاء به والتماسه منه سبحانه (اهدنا الصراط المستقيم) وهو سبيل الله الذي أمر الرسول بالدعوة إليه وأمره أن يضيفه إلى نفسه (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
وسبيل الله الذي هو سبيل المؤمنين هو ما توعد الله بالعذاب الشديد من صد عنه ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله) وصرح كثيراً بأن الصد عنه شأن المشركين وشأن كثير من الأحبار والرهبان وشأن المنافقين (إن الذين