/ صفحة 128 /
كفيل بتقدير الخير ومعرفته دون رجوع إلى الله وما يرسم لعباده من شرع وخلق وأنهم بهذا ليسوا في حاجة إلى الوحي، وأن الوحي إذا كان فإنما يحتاج إليه لإرشاد من ليسوا من أرباب الضمائر الحية المتيقظة , وقد فات هؤلاء أن فهم ما ينفع الهيئة الاجتماعية وما لا ينفعها كثيرا ما تختلف فيه إلا نظار والآراء، وقلما نجد في تاريخ هذه النظرية قديمه وحديثه اتفاقا علي نفع جزئية معينة، أو ضرر جزئية معينة، وفاتهم أيضا أن النظر الواحد، أو الضمير الواحد كما يعبرون، كثيرا ما يتغير في معرفة الخير والفضيلة، ولقد عدل كثيرا من الفلاسفة عن آرائهم الأولى، واستحدثوا آراء أخري جديدة، ولهذا تعترك في عصرنا الحاضر المذاهب الاجتماعية من ديمقراطية وفاشية ونازية وشيوعية واشتراكية، بل يتنازع أرباب المذهب الواحد، بل يتناقض الفرد الواحد مع نفسه ورأيه في وقتين مختلفين، وكل هؤلاء يتحاكمون إلى الضمير، أو يتحاكمون إلى الإدراك البشرى في معرفة الفضيلة ء وهو تحاكم كما نرى إلى أساس غير ثابت ولا منضبط ولا مأمون العاقبة، وهو في الوقت ذاته سير بالنفس وبالعالم في طريق محفوفة بالمخاطر تهدد العالم في أمنه واستقراره، وتشعل فيما بين جوانبه نار الحروب والتدمير، ولا سبيل إلى الاستقرار في هذا العالم وسلامته من أثر الآراء المشجرة إلا بالرجوع إلى أساس ثابت منضبط صادر عن عليم بطيات النفوس، ونزعات البشرية، يبصرهم ذلك الأساس بالخير والفضيلة التي ارتسمت في لوح الوجود الحق الذي لا يكتنهه إلا خالق الوجود ومدبر الكون علي ما يعلم فيه من سنن وشئون، وليس ذلك المبصر إلا وحي العليم الحكيم (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا). مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤنين: جاعت بعد ذلك الآية الثانية، وقد وضح مما قبلها أن الحكم بالحق هو الثمرة التي أرادها الله للناس من أنزال الكتاب، وأن الذين يحاولون طمس الحق، خائنون لأنفسهم ولايمانهم، وأن التناجي بهذه المحاولة شر لا خير فيه، وأن