/ صفحة 126 /
الذي جاءت لأجله آيتنا الكريمة، والكل يرمي إلى النهي عن هذا الخلق الذي يصطنعه بعض الناس سبيلا للإفساد في الجماعات والأسر والافراد، ويضع الحد الفاصل بين النجوى الآثمة التي يمقتها الله ولا يرضاها، والنجوى الصالحة التي يحبها ويدعو إليها. ويذكرنا هذا الموضوع بذلكم الأدب الكريم الذي يضعه الرسول صلى الله عليه وآله و(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يتصل بالنجوى الصالحة حتى تكون خيرا كلها. يقول عليه الصلاة والسلام:إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، أو (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس، أجل أن ذلك يحزنه). وكثيرا ما يظن أنهما ينهشان عرضه أو يتحدثان في شأنه بما يكره، فإبقاء على المودة والألفة حرم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) التناجي واو بخير في حضوة ثالث معزول عن الحديث، وفي حكم التناجي مع حضرة الثالث التحدث بلغة أجنبية لا يعرفها، فالحكم الحكم، والإثم هو الإثم. أساس الفضيلة ترسم أوامر الله ابتغاء مرضاته: أما الجزء الثالث من الآية:فهو قوله تعالي (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). والإشارة فيه إلى الأمر بهذه الثلاثة المذكورة في الاستثناء السابق، وهي الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس،وإذا كان هذا جزاء
الأمر بها،المرشد إليها، فكيف بمن يفعلها خالصة بها نيته، مبتغيا بها
مرضاة ربه؟ ويصح أن تكون الإشارة لنفس هذه الأمور الثلاثة، ويكون
قد مهد ببيان فضل الأمر بها لبيان فضلها في ذاتها، وقد رتبت الآية هذا
الأجر العظيم على فعل ذلك بشرط أن يكون قد فعل ابتغاء مرضاة الله، ومن البين أن التماس مرضاة الله بفعل أحداها، يستدعى أن يكون الفاعل معتقدا أن الله أمر بها، وأن فعلها يرضيه،وأنه لم يقصد بفعلها شيئا سوى مرضاة الله، فيكون الفاعل لها باعتبارها أمر ا من أوامر الله مظهرا لرحمة الله بعباده وحكمة في تشريعه وأموه، وبذلك تتجرد نفسه في فعل الخير