/ صفحة 125 /
وكما أمر به هكذا عاما، عني به خاصا في الأسرة بين الرجل وزوجه ووضع في ذلك هذا المبدأ القيم الذي يستل كل سبب من أسباب النزاع (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ان يريد اصلاحا يوفق الله بينهما) وكذلك عني به خاصا بين جماعات المؤمنين، وأشار باتخاذ التحكيم أساسا بين الطائفتين المختلفتين (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فاٍن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا اٍن الله يحب المقسطين).
فهذا هو موقف الإسلام من الصلح بين المتخاصمين أفرادا وأسرا أم جماعات وأمما، ولو أن الناس صدقوا في اصلاحهم بين الناس ونزلوا علي العدل في ذلك لما سخر الوجود من هذه المنشآت الدولية التي أقامها أرباب البغي والعدوان باسم الإصلاح بين الناس والسلام، ثم لا تراها إلا مثيرة لعوامل الحروب والتدمير والتخريب.
هذا هو حكم التناجي خيره وشره في نظر القرآن، وقد جاء الهي صريحا في غير هذه الآية عن التناجي بالآثام والشرور وأرشد القرآن إلى أنه من وسوسة الشيطان، وأباح التناجي بما فيه خير ونفع للأفراد والجماعات على نحو ما ذكرت الآية التي نحن بصدد تفسيرها (يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ويشير بقوله (إنما النجوى من الشيطان) إلى ما كان يقوم به المنافقون، وذكره قبل ذلك بقوله (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم. ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) وهذا نوع من التناجي