/ صفحة 124 /
العناد فيستمر على ترك المعروف، واٍنا لنعلم من طبائع النفوس النُفرة من سماع النصيحة العلنية، لما فيها من التشهير بالمنصوح والظهور بمظهر الاستعلاء عليه، والنقد له.
وثالثها: الإصلاح بين الناس، فالتناجي به خير وأي خير، فيه ضمان الوصول إلى الوفاق وقطع الشقاق، وقد يكون في اٍظهاره واظهار ما يتخذ له من وسائل شر يحول دون تمام المقصود.
و(المعروف) كلمة عامة تشمل كل ما تتقبله العقول ويرضاه الشرع والدين، فهو يشمل ما ذكر قبله من الأمر بالصدقة، وما ذكر بعده من الأمر بالإصلاح بين الناس، ولكن الله سبحانه أبرز هذين النوعين: (الأمر بالصدقة والأمر بالإصلاح) بعبارة خاصة، لما لهما من الآثار العظيمة في حياة الأمة؛ فسد حاجة الفقراء من أكبر ما يبعد الأمة عن شرور الفقر وآثامه، ومن أكبر ما يطهر الأمة من النزعات الضارة والأفكار الهدامة. والإصلاح بين الناس من أكبر دعائم السلم والأمن، ومن أبرز أسس التعاون على البر والتقوى، وعلى الجملة فالصدقة تمثل النفع المادي، والأمر بالمعروف يمثل النفع الروحي، والإصلاح بين الناس يمثل دفع الشر عن الأفراد والجماعات، وبذلك كانت الثلاثة كما قلنا جماع الخير كله، ولا يفوتنا أن نلفت الأنظار إلى ذكر الإصلاح بين (الناس) عاما هكذا بعنوان الإنسانية وأن الإسلام بذلك لم يفرق فيه بين كافر ومؤمن،كما لم ينظر فيه إلى دين أو جنس أو وطن، لأن الجميع عند الله في معنى الإنسانية وحقوقها سواء، فالدول المتحاربة، والقبائل المتعادية، والأحزاب المختلفة، والفرق المتنافسة، والإفراد المتشاكسة، كل هؤلاء يطلب الله الإصلاح بينهم ويراه خيراً عظيما، فالله هو السلام ويحب السلام ويدعو إلى السلام، ويأمر ويكون الناس جميعا متآلفين، تربط بينهم صلات التعاون والمعرفة والمحبة، ويكره أن يفرقهم التناكر والتخاذل والبغي (يأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).