/ صفحة 123 /
هذه وأمثالها هي الشأن الكثير فيما يتناجى به الناس مما يتصل بشئون بعضهم وبعض تلبية للرغبات الفاسدة والشهوات الجامحة، والله سبحانه يقرر هذه الحقيقة (لا خير في كثير من نجواهم) ويلفت الناس إليها بنفي الخير عنها ليعرفوا ما لها من آثار سيئة، ويحذروا عواقبها الوخيمة، وهو كما قلنا ينتهز في تقرير تلك الحقيقة على هذا النحو قصة المتآمرين على إخفاء الحق في حادثة السرقة التي دار فيها الإتهام بين مسلم ويهودي، وأراد عصبة المسلم أن يعلموا على إلصاقه باليهودي وتناجوا بينهم في ذلك، اتخذت هذه الحادثة وهذا التدبير أساساً لتقرير تلك الحقيقة حتى تعرف آثارها آخذاً من حادث مادي معاين.
التناجي بالخير والإصلاح:
الجزء الثاني من الآية: هو الإستثناء من عموم الجزء الأول وهو قوله تعالى: (إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) يستثني الله من هذا الحكم العام من التناجي أموراً ثلاثة مما يجري فيه التناجي ويكون متعلقاً بغير المتناجين، ويقر أن التناجي فيها خير لا شر فيه، وهذه الأمور الثلاثة هي جماع الخير المتعلق بشئون الناس لا يكاد يشذ عنها شيء منه:
أولها: التناجي في شأن الصدقات، والصدقة واٍن كانت ترد في لسان الشرع عامة شاملة للتصدق بالمال، ولأنواع أُخرى من البر والخير كإماطة الأذى، وإغاثة الملهوف، والسعي على المعاش، ونحو ذلك، إلا أنها هنا أريد بها خصوص الصدقة المالية التي يدبرها أهل الخير فيما بينهم ويتناجون في اكتتابها، ثم يدفعونها لذوي الحاجات سداً لعوزهم وقضاء الحاجهم، فالاية تقرر أن التناجى فيها خير، وذلك لأن الجهر بها قد يكون فيه اٍيذاء للتصدق عليه وكشف لحالة كان الأولى أن تظل خفية مستورة.
وثانيها: التناجي في الأمر بالمعروف فاٍنه خير لا شر فيه، وقد يكون في إظهاره شر وأي شر: يكون فيه إيذاء لمن يؤمر به، وإحراج قد يدفعه إلى