/ صفحة 122 /
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهم معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) كما تضمنت محاولة الخروج عن العدل الذي قرره الله بين الناس، وهم يعلمون طريق الهدى والحق.
ثم جاءت هاتان الآيتان في هذا السياق تبينان حكم التناجي خيره وشره، وحكم من يعرض عن الهدى بعد أن تبين له. وتناولت الآية الأولى منها شأن التناجي بين الناس فيما يتصل بغيرهم، وقد اشتملت الآية على أجزاء يجدر بنا أن نفرد كل جزء منها بالقول والبيان.
التناجي بالإثم والعدوان:
الجزء الأول: قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم) وهذا الجزء يقرر أن أكثر ما يتناجى به الناس فيما يتصل بغيرهم شر لا خير فيه، ذلك بأن النفوس مجبولة على محبة إظهار الخير والتحدث به في الملأ والعلانية، ومجبولة على محبة إخفاء الشر وكتمانه، وقلما يكتم الناس حديثاً يتعلق بغيرهم ويكون خيراً كله، وقلما يذيعون حديثاً يتعلق بغيرهم ويكون شراً كله. شأن جبل عليه الناس، ولننظر فيه ما نعرفه من شئون المجتمع وطوائفه، فهذه الأحزاب السياسية تتناجى في تدبير المكائد والتهم الباطلة، والتشهير ووضع العقبات، وألوان الأراجيف.
وهؤلاء الرؤساء يدبرون الكيد والإيذاء لمن يعتقدون أنهم ينافسونهم أو يقفون أمام أهوائهم ورغباتهم الجامحة، أو يظنون أنهم ليسوا معهم في الرغبات والشهوات، ولو كان هؤلاء المرءوسون غاية في الإستقامة والحرص على الواجب ومحبة وصول الحق إلى أهله، ومحبة وصول الرؤساء إلى الأهداف الحقة لأعمالهم التي لها يديرون وعليها يشرفون، وهؤلاء الماجنون من الفتيان والفتيات والمترفين يتناجون في تهيئة السبل لاشباع نهمهم في الليالي الساهرة الخليعة التي تذهب فيها العقول وتضيع فيها الأموال، وتخدش فيها الأعراض، وتتناثر على أرضها السوداء حبات الشرف البيضاء بالدعارة والاختلاط الفاضح.