/ صفحة 120/
المضبوطة، وأن الحكم متى صدر من الحاكم مبنياً على شرطه المقدور له وجب احترامه حفظاً للنظام العام. ومن هنا وجب القول بنفاذه ظاهراً، ولكنه مع ذلك لا يستتبع تغيير الواقع ولا قلب الحقيقة التي يعلمها الله في شأن الدعوي، وهذه الحقيقة هي مناط الحل والحرمة والثواب والعقاب عند الله. والمدعى المحكوم له زوراً هو الذي يعلمها دون غيره، ومن هنا كانت مؤاخذاته الأخروية، ووجب عليه الكف عما يعلم أنه ليس له بحق، ولزم القول بعد نفاذ الحكم باطناً، وهذا وجه من النظر والتوجيه يدل على أن الحكم بشهادة الزور ينفذ ظاهراً لا باطناً كما قال الفقهاء في كل ما يدعي به من ملك أو عقد أو عمل.
رأي أبي حنيفة في ذلك:
ولم يخالف في ذلك أحد منهم غير أبي حنيفة الذي رآى ـ كما نقل في كتب الحنفية ـ أن حكم الحاكم بشهادة الزور في دعوى ما يمكن للقاضي انشاؤه كالعقود والفسوخ ـ ينفذ ظاهراً وباطناً، وترتيب على ذلك عنده، أن كان للمرأة التي ادعت الزواج برجل وأقامت عليه بينة الزور حق المطالبة بالقسم والوطء والنفقة،وحل لها فيما بينها وبين الله أن تمكن ذلك الرجل من نفسها، كما حل له أن يتمكن منها، والمسألة مشهورة عند الفقهاء، وقد بسطت بوجوهها وفروعها وأدلتها في كتب الفقه فليرجع إليها من شاء.
الإسلام لا يعرف تفريقاً في العدل:
ثامناً: تدل الآيات دلالة واضحة قوية على أن الإسلام يقرر في أول مهمته وجوب العدالة بين الناس جميعاً، وأنه لا يحابي فيها مسلماً لإسلامه ولا شريفاً لشرفه، فالشريف والوضيع، والغني والفقير، والمسلم وغير المسلم، كل هؤلاء في نظر الإسلام سواء أمام الحكم والقضاء. وقد حث الله على العدل مع أشد الناس عداوة للمسلمين، وفي أشد أوقات الخصومة والحرب (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) وحذٌر المحاباة كيفما كانت ولمن تكون (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين