/ صفحة 81 /
والسؤال الذي يدور في الأذهان هو: كيف أتيح للمرأة أن تخرج من قوقعتها المغلقة إلى دنيا العلم الواسعة، وأن تتحرر من قيود الحجاب التي فرضها عليها الفقهاء، فتبرز من خدرها إلى مجالس العلم مع الرجال دون اعتراض أو ثورة؟ والواقع أن أحداث العالم الإسلامي وقتها ساعدت على ذلك. ولا شك أن خروج نساء من أوروبا لمرافقة الحملات الصليبيه بالشرق والعمل في خدمتها مع الرجال، كان له أثره في المخالطين من المسلمين، هذا بالاضافة إلى اتساع نطاق الهجرات نتيجة للحركات الحربية بالشوق ا لأدنى، وانتقال إمرة المسلمين إلى حكام من غير العرب، مما عجل تطور أحوال المجتمع
الإسلامي وقتذلك، وعندئذ لم يكن غريباً في نظر المعاصرين جلوس نساْ على رأس حلقات الدرس في المدارس المنشأة، أو المساجد المعمورة، ولم يعجب أحد للكثيرات المرتحلات في سبيل العلم أو لمن قصد مجالسهن من الرجال المشتغلين بالفقه والحديث وعلوم القرآن، للاستماع إليهن أو الأخذ عنهن أو طلب الإجازة منهن. وهذا هو السخاوي يذكر عن واحدة من أولئك هي سارة بنت عمر بن عبد العزيز بن محمد المعروفة ببنب ابن جماعة والمتوفاة سنة 855هـ، أنها كانت صالحة محبة للطلبة ذات صبر على الاسماع وصحة السماع، وأن أهل مصر نزلوا بموتها درجة في الرواية.
ومما يدعو إلى الإعجاب بحركة التحرر المبكرة هذه، أن المرأة لم تقتصر على تعلم العلم أو تعلمه في صورة سهلة أو لعقليات مبتدئة، بل زحفت إلى مركز الأستاذية، وجلس أمامها أشياخ كبار يلتمسون الاستماع إليها أو القراءة عليها أو الإجازة منها. وتذكر مراجع ذلك الموضع أن زينب بنت محمد بن عثمان ابن عبد الرحمن الدمشقية أنها كانت أعلم أهل زمانها بالفقه والحديث، وأنها حدثت بالإجازة العامة عن فخر الدين بن الحجار، ومن تلاميذها: الحافظ بن حجر، وله منها إجازة، وأن حلقة درسها كانت لا تقل عن خمسين طالبا في الحديث، ويقال مثل ذلك عن فاطمة بنت سعد الخير التي عاصرت البوصيري، وعن عائشة بنت علي بن محمد الدمشقية، وعن فاطمة بنت جمال الدين سليمان بن عبد الكريم