/ صفحة 80 /
والنعيم، وزدحم تاريخها المتأخر بأخبار المؤامرات والدسائس، وأسهمت المرأة في ذلك بنصيب، لأن أحداث السياسة جرت تحت سمعها وبصرها، ثم انتهى الأمر بزوال الخلافة العباسية، وانتقال حكم المسلمين إلى سلطان غير عربي، وتعرضت بغداد لأنواع من الحكم والحكام لم تكن معهودة من قبل، وخضع العالم الإسلامي لسلطان المؤثرات الطارئة، وانتقلت الشائعات إلى أهل الشرق عما أصاب أهل الغرب من حملات الصليبيين، ولاي أهل الغرب عما أصاب أهل الشرق من غارات التتار، واضطربت الأحوال السياسية فترة من الزمن، ثم عادت فانتظمت بعد ما أمكن للجيوش المصرية البطش بالمغول في عين جالوت، والبطش بالصليبيين في مصر والشام.
عندئذ اتجه الاهتمام إلى العلوم الدينية، وكان للحديث والفقه أكبر نصيب من ذلك الاهتمام. ويمكن القول بأن هذه العناية ترجع إلى أمرين:
الأول: أن السلاجقة والأتراك جاءوا في أعقاب البويهيين بالعراق، كما جاء الأيوبيون والمماليك في أعقاب الفاطميين بمصر، وقد بذل الحكام الجدد هنا وهناك من العناية ببعض العلوم ما ظنوا أنه يقضي على ما بقى من نفوذ السابقين.
الثاني: أن انتقال شئون العالم الإسلامي إلى حكام مسلمين من غير العرب، متحمسين للعقيدة الإسلامية أدى إلى الإكثار من المدارس ودور القرآن والحديث، وتيسير سبل العلم لمن أراد تحصيله من الرجال والنساء على السواء سعياً لا كتساب رضا المحكومين، وظهوراً بالتحمس للدين.
والجدير بالملاحظة، إقبال المرأة الشديد على العلم في ذلك العصر، واهتمامها بدراسة العلوم الشرعية، وهو ما لم يكن مشهوراً في عهد الخلافتين، العباسية والفاطمية أو ما قبلهما، حقا لقد اشتهرت كثيرات منهن بالشعر والغناء والموسيقا ولكن هذا اللون من الثقافة ليس في تعقيد وصعوبة
التثقف بعلوم القرآن والحديث والأصول واللغة.