/ صفحة 65 /
أما بعد: فإنك التمست كلاما شافيا في الكشف عن تهافت الفلاسفة وتناقض آرائهم، ومكان تلبيسهم وإغوائهم. ولا مطمع في إسعافك إلا بعد تعريفك مذهبهم؛ وإعلامك معتقدهم؛ فإن الوقوف على فساد المذاهب قبل الاحاطة بمداركها محال، بل رميٌ في العماية الضلال، فرأيت أن أقدّم على بيان تهافتهم كلاما وجيزاً مشتملا على حكاية مقاصدهم من علومهم المنطقية والطبيعية والإلهية من غير تمييز بين الحق منها والباطل؛ بل لا أقصد إلا تفهيم غاية كلامهم من غير تطويل.
ولقد أخذ حجة الإسلام نفسه بوعده، والتزمه التزام الأمين لكلمته، فشرح مقاصد الفلاسفة بأمانة ودقة بالغتين، حتى نقده بعض المتدينين الوَجلين بأنه رضوان الله عليه قد مكّن لهذه الآراء بمالم تبلغه قدرة أصحابها والقائلين بها، ثم أخذ ينقض ما وجده مستحقا للنقض من هذه الآراء؛ ويهدم الجدير بالهدم منها، وذلك في كتابه (تهافت الفلاسفة).
أما نحن، فواحرّ قلباه! نحب ولا ندري أحياناً كثيراً لماذا نحب، ونبعض ولا ندري فيم البغض، وهذا مصدر البلاء، والله المستعان!
2 ـ ذلك. وكان من هذا أن دامت الفرقة، وظل الخلاف مستحكما بين رجال الفرق الإسلامية في أصول الإسلام وفروعه، مع توحيد الإسلام بينها، ومع أن جميع المتخالفين من المسلمين لدى الله وإن فرق بينهم إلى حد ما، ما هم عليه من مذاهب وآراء.
ونعتقد أن من الخطوات العملية اليت يجب أن تتخذها جماعة التقريب، بعد أن سلخت طوال عامين من عمرها المبارك إن شاء الله تعالى في التمهيد والاعداد للتقريب الحق المرجوّ بين المذاهب الإسلامية، أن تعمل على إذاعة ما كان من هذه المذاهب غير معروف على وجهه في مصر، كمذهب الشيعة مثلا، حتى يعرف من يتعصب بحق أو بغير حق لمذهبه المخالف أن هذا المذهب فيه من الحق شيء كثير يصلح أن يكون أساسا للتفاهم الصادق بين الشيعة وأهل السنة؛ وإذا فلا