/ صفحة 443/
و الدعة شاملة، والثقافة يانعة والرفاهية لا عهد لهم بها، الا فيما سمعوه عن الترف البيزنطي.
ولا غرابة أن تغدو هذه المرحلة بداية تحول خطير في تاريخ العرب. على أنه إذا كان من المحتمل أن يجنح العرب إلى تحطيم ما لم يستطيعوا حمله من مغانم البلاد المفتوحة ـ كما يفعل الغزاة عادة ـ فانهم لم يلجئوا فعلا إلى تلك الوسيلة، وان ظل ما استولوا عليه، مما خف حمله وعظم شأنه، غير معروف لدينا تماما.
وعلى الرغم من اعجاب العرب الواضح بالحضارة الفارسية، فان طموحهم المعروف دفعهم إلى أن يخلقوا لأنفسهم حضارة خاصة بهم، وان كان احساسهم بالعجز عن مواجهة مشكلة حكم شعوب تفوقهم ثقافة وتنظيما، جعلهم يجتهدون في مسالمة تلك الشعوب، بأن أدلخوا في خدمتهم رجالها من الشعراء والفنانين والصناع، فسنحت بذلك فرصة جديدة لازدهار الآداب والفنون الفارسية، حتى أضححت نفسها جزءا من الفن الإسلامي.
على أنه ليس معروفا على وجه التحديد، الدور الذي لعبه الفرس في بلاط الأمويين بدمشق، وان كان من المعروف جدياً أنهم شغلوا معظم المناصب الإدارية والثقافية الخطيرة مدة قرنين أو ثلاثة من حكم العباسيين في بغداد، أي ان نفوذهم بقى إلى أن استولى عليها هولاكو حفيد جنكيزخان، ولا شك أنهم كانوا عاملا رئيسياً في نمو مدرسة فنية جديدة يطلق عليها ((فن ما بعد الساساني)) وهو الفن الذي نشأ بعد زوال الساسانيين وأوائل عهد المسلمين، والذي لم يبق لنا منه ـ لسوء الحظ ـ الا القليل.
(للبحث بقية).