/ صفحة 442/
والواقع أن تطور الفن الإسلامي وانتشاره في بلاد تمتد أكثر من ستة آلاف ميل وفي زمن يقل عن قرن من الزمان، ليس مرده إلى سلطان العرب الحربي وقوتهم العسكرية، بل إلى الافكار المثالية التي دلت دائما على أنها أبلغ أثراً من سلطان الجيوش، ونعود فنقول انه لوكان انتشار الإسلام بحد السيف، لما قدر لتأثيره وفنونه أن يستمرا أكثر من جيل أو جيلين، ولما وجدنا مادة خصبة لموضوع هذا الحديث.
وقد اقتصرت الأعمال الفنية في بداية الأمر على ما أنشأه المسلمون من مساجد، إذ اشتدت حاجة الناس ـ أول عهدهم بالاسلام ـ إلى دور للعبادة في كافة بلاد الامبراطورية العربية المترامية، ويمكن القول ان الناس أتموا ما احتاجوا إليه من تلك المساجد في سرعة فائقة، ثم ان العرب حولوا ـ بطريقة تتفق ومطالب الإسلام ـ عدداً من الكنائس إلى مساجد، ونذكر أن عددا من الكنائس كان قبلا معابد وثنية، ثم زادت حركة التعمير والبناء وأخذ الفنانون والصناع والعمال ينتقلون من مكان إلى مكان، وينفضون أيديهم من عمل ثم إلى مشروع يراد اتمامه حاملين معهم أصولا فنية مقررة، صارت طرازا واضح المعالم على مر العصور، ثم أخذ كثير من العرب الفاتحين ـ الذين عاشوا رحلا في بلادهم ـ ينتقلون في أرجاء امبراطوريتهم، اثر تخلصهم من الضغط الاقتصادي الذي استحكم في شبه الجزيرة، واقتبس هؤلاء فيما اقتبسوه صورا ورسوما كلامية وفنية، أعانت على نشر الفن الإسلامي، وأدت في النهاية إلى وحدته.
ويعتبر حب العرب للجمال، القوة الأولى الدافعة للفن الإسلامي، ثم أخذ هذا الفن عن الفرس روعة الشكل، وبهجة اللون، وبفضلهما بلغ ما بلغ من تنوع داخل نطاقه العالم، وهذا التنوع ذاته أحد الخصائص القوية التي يمتاز بها الفن الإسلامي.
ولا ول مرة ـ عقب فتح فارس سنة 636 ـ 641 هـ اتصل العرب اتصالا وثيقا مباشرا بشعب على جانب كبير من الحضارة، ويعد دخولهم المدائن ـ وهي العاصمة الكبرى لملوك ساسان ـ حادثا هاماً بالنسبة لهم وبالنسبة للعالم كله، ورأى العرب النعمة وفيرة وحياة الناس يسيرة، على غير عهدهم ببلادهم، فالطعام كثير،