/ صفحة 44 /
وتمت المعاهدة على أن يتسلم فردريك مدينة بيت المقدس، وأن يكون للصليبيين ممرّ من الأرض يصل بين عكا وبيت المقدس، على أن يبقى المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وسائر قرى بيت المقدس للمسلمين، وأن يمنع فردريك أية حملة صليبية أوربية عن الشواطئ الأيوبية بمصر والشام. وأعقب فردريك هذه المعاهدة بزيارة المسجد الأقصى، بإذن السلطان الكامل صحبة شمس الدين قاضي نابلس، وطاف بمزاراته مستفسراً عنها في لسان عربي واضح. ولم يكن ذلك غريباً سماعه على الحاضرين من المسلمين، فإن كثيراً من الصليبيين الأوربيين المقيمين بالشاك كانوا يتكلمون العربية منذ استقر مقامهم بمختلف الإمارات الصليبية، وبات فردريك ليلته بدار القاضي شمس الدين ببيت المقدس، ثم رحل إلى عكا، بعد أن توج نفسه ملكاً على مملكة بيت المقدس بحق زوجه المتوفاة.
وعاد فردريك إلى أوربا دون قتال أو جرحى أو خسائر، بل بمكاسب لم تستطع الحملات الصليبية الضخمة أن تعود بها منذ أيام صلاح الدين. غير أنه وجد البابوية حانقة على جميع ما حدث أشد حنق، لأن الصليبيين لا ينبغي لهم مصالحة المسلمين، بل عليهم مقاتلتهم ما ثقفوهم خدمة للمسيحية. ثم اقتنعت البابوية بفضل فردريك، ورضيت عن المعاهدة، كما أعلنت عودة الإمبراطور إلى رحمة الكنيسة.
أما السلطان الكامل محمد، فلم يقتنع أحد بأنه أدى بهذه المعاهدة خدمة ما للإسلام أو المسلمين، وامتلأت مساجد القاهرة ودمشق وبغداد وغيرها بالشانئين الناقمين على السلطان الذي ضحى المصلحة الإسلامية العامة من أجل مصلحته الخاصة، وهي التهاون مع فردريك في سبيل المحافظة على دولته من عادية أقار به الأيوبيين. ولم يشفع للسلطان الكامل أنه أرسل البعوث إلى مختلف العواصم الإسلامية ليشرح فوائد المعاهدة للطرفين الإسلامي والمسيحي سواء، وأهمها تجنيب مصر والشام ويلات الحروب الصليبية مدة ربع قرن من الزمان. ولعل في عبارة الفقيه ابن الأهدل ما يدل دلالة واضحة على مبلغ ما أحس به المسلمون وقتذاك نحو السلطان،